مجتمع المعرفة والنموذج التنموي الجديد

مجتمع المعرفة والنموذج التنموي الجديد
الأربعاء 4 شتنبر 2019 - 05:06

فتح الخطاب الملكي يوم 20 غشت 2019، نقاشا موسعا حول تجديد النموذج التنموي لبلادنا. ويعتبر هذا الاهتمام والاجتهاد في ابتكار أفكار جديدة لتطوير النموذج التنموي ظاهرة صحية بل وضرورية لإنجاح أي تنمية منشودة. فمن المحددات الأساسية لنجاح أي نموذج تنموي، حشد الهمم وتعبئة جميع الطاقات المجتمعية لضمان انخراط قوي وفعال في الدورة التنموية. فلا يمكن الحديث عن نموذج تنموي ناجح دون انخراط واسع وشامل لجميع مكونات المجتمع من الفئات النشيطة والشباب الطموح والهيئات الاقتصادية والسياسية والمجتمعية على رأسها المجتمع المدني إضافة إلى النسيج الاقتصادي من مقاولات وشركات ومصانع ومهن حرة.

تصحيح النموذج التنموي لتقويم بعض الأعطاب أو إعادة تشكيل المرتكزات التي بنيت عليها خيارات هذا النموذج التنموي معطى يجب التعامل معه بنَفَس إيجابي بعيد عن منطق النجاح أو الفشل. النموذج الذي نهجه المغرب منذ مطلع القرن الحالي حقق طفرة نوعية في جلب الاستثمارات خاصة في قطاع السيارات والطائرات واللوجستيك والطاقة المتجددة. كما يُحسب له التطور الذي شهده القطاع المالي والبنكي والاتصالات وإعادة تأهيل البنية التحتية باعتماد آخر التطورات التي يشهدها قطاع البناء على الصعيد الدولي كالجسور المعلقة ومحطات القطارات الحديثة. لكن هذا النموذج التنموي يعرف نقائص في بناء الإنسان الذي يتعامل مع هذه البنيات المتطورة بشكل حضاري، وفي تحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للعائد التنموي ليعم جميع شرائح البلاد وخاصة الفئات الهشة وذلك في أفق تقليص الفوارق الاجتماعية التي تشكل نقطة ضعف في النموذج التنموي الحالي. ليس المغرب استثناء من بين الدول التي وجدت نفسها مجبرة على إعادة التفكير في نموذجها التنموي، فقد عرفت الهند حالة أصعب من حالة المغرب. راكمت الهند في نموذجها الأول أخطاء كبيرة أوصلت البلاد إلى حافة الإفلاس في 1991، فاضطرت الدولة إلى نهج نموذج تنموي جديد قائم على اقتصاد السوق بدل الاقتصاد الموجه والمتمركز في العاصمة وتشجيع المبادرة الفردية والقطع مع الفساد والمحسوبية لفتح المجال لطاقات جديدة تتمتع بكفاءة كبيرة استطاعت أن تثبت ذاتها في مجتمع فتح المجال واسعا لتكافئ الفرص بين الجميع. الهند في وقتنا الحاضر تحقق أعلى نسبة نمو على الصعيد العالمي والناتج الداخلي الخام يتطور بوتيرة مرتفعة وأكبر من بعض الدول الصناعية. فاستطاعت الهند أن تتفوق على دولة صناعية من حجم فرنسا لتزيحها من موقعها كسادس اقتصاد عالمي بعد أن أصبحت تحقق الهند ناتجا داخليا خاما يفوق نظيره الفرنسي. لذلك نقول أن التنمية سيرورة دائمة وديناميكية مستمرة في التطور والتطوير لتجاوز معوقات الماضي وجعلها قوة في المستقبل.

المغرب يبحث عن إعادة تشكيل نموذجه التنموي والبداية ستكون باللجنة التي ستتشكل مع الدخول التشريعي الجديد. ليس أمام هذه اللجنة سوى خيار وحيد يبدأ بتشخيص الواقع الحالي وتحديد المعوقات والنقائص التي طبعت النموذج السابق. كما أن هذه اللجنة سيكون أمامها اعتماد توصيات (ما دامت اللجنة لها طابع استشاري وليس تقريري) قوية وجريئة تخص بالأساس تدعيم تكافئ الفرص الذي من شأنه فتح المجال لجميع طاقات المجتمع للتعبير عن كفاءتها وتثبيت موقعها في النسيج الاقتصادي.

ما دام الوقت عاملا محددا في نجاح التنمية، فالرهان يجب أن ينصب على مجتمع المعرفة القائم على أساس التقنيات الحديثة للإعلام والتواصل. علما أن المغرب يتوفر على بنية تحتية للتقنيات الحديثة متطورة وفي المستوى العالمي. فبلادنا كانت سباقة في تأهيل شبكة الاتصالات وتراسل المعطيات بحيث شرعت في هذا التحدي منذ ثمانينيات القرن الماضي بإنشاء مؤسسة شبه عمومية تتمتع باستقلالية مالية واستثمارية (المكتب الوطني للمواصلات السلكية واللاسلكية)، ثم تحويل المكتب إلى شركة خاصة “اتصالات المغرب” التي جعلت البلاد تواكب عن قرب جميع التطورات العالمية في مجال التقنيات الحديثة للاتصال. بعد ذلك قام المغرب بتحرير قطاع الاتصالات في وقت لازالت فيه كثير من الدول تعتبره قطاعا استراتيجيا يجب الاستمرار في احتكاره من طرف الدولة. في سنة 1997 سيقوم المغرب بالتحرير التام لقطاع الاتصالات فاتحا المجال لظهور فاعل جديد أورانج (ميديتيل سابقا) ثم فاعل ثالث إنوي (وانا سابقا). إذا كان المغرب من بين الدول التي استشرفت واقع الاتصالات فقامت بشكل مبكر في تحريره وجعله يتوفر على شبكة من مستوى عالمي بإمكانها الاستجابة لجميع المتطلبات التكنولوجية التي تحتاجها الشركات المتخصصة في التقنيات العالية، فإن الاستثمار في مجتمع المعرفة لازال ضعيفا بل بعيدا عن المستوى الذي حققته بلدان مماثلة لبلدنا. شبكة الاتصالات في المغرب متطورة لكن حمولتها والتطبيقات الذكية لازالت ضعيفة وانخراط القوي للمغرب في العولمة جعل المغاربة يستعملون تطبيقات خارجية في ظل الفراغ الداخلي.

اللجنة التي ستعرف النور في الدخول التشريعي المقبل يجب أن تهتم بجعل المغرب في مصاف المجتمعات المعرفية لربح الزمن التنموي وتأخرنا في هذا المجال. وعليها بالتالي دراسة المعوقات التي لم تسمح للمغرب بالدخول القوي لمجتمع المعرفة. كما عليها إنجاز استراتيجية لدعم انخراط الطاقات الحيوية في هذا المجال بشكل قوي وذكي.

التنمية الناجحة تمر بالضرورة بمجتمع المعرفة.

*باحث في التنمية والتقنيات الحديثة للإعلام والتواصل

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين