نهج الزجريين إزاء أحفاد الدهريين

نهج الزجريين إزاء أحفاد الدهريين
الثلاثاء 8 ماي 2012 - 11:18

قال تعالى : (قل إن كان للرحمان ولد فأنا أول العابدين)
يال موقف المسلمين اليوم، منكفئون على الذات في عصر العولمة والفضاءات المفتوحة، حتى كأن هذه الذات كعبة ثانية يطوفون حولها، يعيشون في الماضي والذكريات تحت مسمى “السلفية” أو”الحركة الإسلامية” أو جمعية دعوية، دراسات جامعية شرعية مثيرة للشفقة تعود بنا إلى نصوص كثفت حولها الحواشي والتعليقات محاطة بها في أوراق صفراء من كل جانب حتى غدا النص الأصلي ضئيلا بين هذه الحواشي قد تحتاج قراءته لمكبرة ، وإلى هذا النسيج الذي يكل العين تعود بحوث الدراسات الجامعية العليا دبلومات وماسترات ودكتورات ، بحث في جزئيات الفقه المالكي مشى عليها التراب ، بحث في أصول القضاء والفتوى في مذهب لا ندري مجال العمل به غير باب الطهارة والوضوء والصلاة وبعض مما نسب إليه من مدخل الطرقية وهو منه براء !

إن المرء ليأسف حقا لتلك الرداءة التي يرد بها “فقيه”، أو هكذا يحسب نفسه، على من يخالفه في فكره ملحدا كان أو علمانيا أو إسلاميا أو حتى مسلما تكنوقراطيا مناضلا! كلها ردود تفتقد مقاربة فكرية محررة على منهج تفكيري عقلاني مواكب للمناهج الحديثة بل هي لا تلتزم بالحد الأدنى من قواعد التحاور والتناظر بله المنهجية العلمية ، حتى صار هؤلاء الدعاة أو الفقهاء مقتصرين على التقليد أو قاصرين عنه حائدين عن التجديد بعيدين عنه ، فجلبوا للدين من الأضرار والغفلة ما هو أشد ، وكانوا السبب في تراجع ما عرف باليقظة الإسلامية ! ثم لا يلبث هؤلاء وهم لا يستحيون من الظهور هنا وهناك وراء شهوة الكاميرا والميكروفون يصنفون المخالف زجرا : جاهل ، نكرة ، تافه ، أحقر من أن يرد عليك ، مريض ، جاهلي …وكلها ألفاظ على لسان جعل على الفلس الفكري دليلا .وليت هؤلاء سكتوا لأن المتضرر من نهجهم هذا هو الدين نفسه لاهم ! “ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ” والخير هنا هو نتاج السند الفكري والعقلانية الحجاجية المحكمة والشر إفراز ذهنية مفلسة غير منضبطة لا تنتصر إلا للنفس حين توجه السهام للدين كله..

إن خصوم هذا الدين في الغالب لايجدون من يجابههم أخذا بالمناهج العقلية الحديثة المفضية إلى إنتاج فكري محكم ، بل الأعجب أن بعض الدعاة والفقهاء الذين لايعون أنهم في سكرة وغفلة يمدون هؤلاء الخصوم بأسباب تقوي خصومتهم لهذا الدين وتشحذ سيوف التعرض له، ولا نعرف أحدا ملأ هذه الثغرة ووقف حصنا حصينا وسدا منيعا غير الفيلسوف المجدد أب المنطق الحديث طه عبد الرحمان الذي عجزت هذه السيوف عن بلوغ أفقه التفكيري، وهذا العملاق الشامخ هو ذاته الذي تحدث عن اليقظة الإسلامية واعتبر أنها تفتقد السند الفكري والتبصير الفلسفي الذي يمكن أن يفتح لها أفق تجديد اليقظة الإسلامية وتلقحيها بفكر حصين يمنع عنها تقول الجاهلين وتحامل المغرضين .

من من الفقهاء أو الدعاة أو الأساتذة الجامعيين يستطلعون هذا الجيل من إخواننا الشباب، من منهم وقف عند الإشكاليات المرتبطة بهذا الدين في أصول عقائده ، ومصادره ، أين كانوا وهم النائمون الغافلون السلبيون حتى ماعاد المسلم يفرق بين حديث صحيح وآخر ضعيف وحديث مكذوب ، حتى ماعاد طلبة كليات الشريعة يعرفون يمينهم من شمالهم في العلوم الشرعية ولا يفقهون مراتب الأحكام ويتخرج بإجازة تخول له تحريم الموسيقى والنحت والغناء ! يال البؤس ، ونحن في زمن فيه من القضايا الفكرية ما تهد له الجبال و “علماء” الإسلام هناك عند السلطان بخيراته يتنعمون وهم في وظيفتهم أو بوظيفتهم التي تخدم تصورا معينا للدين لا يعيدون سوى حال مقولة شاعر للمعز الفاطمي :
ما شئت لا ماشاءت الأقدار ///فاحكم فأنت الواحد القهار

ثم بعد ذلك يخرج أحدهم ببيان استنكاري يعود بعده مطمئنا إلى أهله مسرورا فقد خدم هذا الدين خدمة تشفه له عند الله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
إنكم أيها الفقهاء أو الدعاة المغاربة، الجهابذة النحارير، لا تملكون من حقيقة ألقابكم إلا الوهم والسراب، أكثركم احتواه المخزن واتخذه مجرد موظف على مقاسه ينتظر أجرته آخر الشهر ، ففي الوقت الذي تشتغلون فيه بالرد على خصومكم المحترمين بالزجر والتصنيف والتجهيل والتكفير ، فقد اصطادوا من أبناء المسلمين ما اصطادوه بشباكهم ، وبدل أن تنتقدوا تلك الشباك ونسجها ، وهي منهجيتهم العقلانية وأنساقها ، رحتم تنتقدون الأشخاص بازدراء واحتقار ، وبخلق مريض دين الله ومنهج رسوله براء منه ، إنكم مجرد حفظة متلقين منفعلين ، لا مفكرين ناقدين فاعلين .

كيف بكم وأنتم الذين وجدتم إرثا مجانيا مما تركه فقهاء أبدعوا في زمانهم ، أن تجيبوا عن أسئلة الزمان ، ومؤرقات هذا الجيل ؟ كيف ذلك ولا أحد عهدكم أهل جد واجتهاد ونصب ، حاوركم الخصوم بكل انفتاح ثم رددتم بالتجهيل والإزدراء والإحقتار ، بلا عقلانية إنما هي الإنفعالية ، والله تعالى علمكم أدب الحوار وهو الذي سألته الملائكة فلم يزدريها ولا احتقرها رغم أنه خالقها ، وهو الذي علمكم البسط والإنفتاح في الحوار مع الخصم : (قل إن كان للرحمان ولد فأنا أول العابدين) .

[email protected]

‫تعليقات الزوار

6
  • الصالحي عثمان
    الثلاثاء 8 ماي 2012 - 11:53

    اسمح لي صاحبي، لا اظن ان شيئاما ياتي منا نحن العرب على جميع المستويات لان الاسس التي بنيت عليها ما يسمى الحضارة العربية الاسلامية انتهت منذ قرون و لم تعد تجدي و ادت الى ما نعرف جميعا نحن الذين لا نقبل التقاليد كيفما كانت الا بنظرة نقدية تفكيكية لا مجال للمقدس فيها – اللهم اللفظ و اللغو و اللغط و الهضرة و التضخم الفمي لاننا لا نقدر على الاتيان بالجديد و الانخراط في معمعة العصر بقيمه و فكره و مناهجه العلمية الثقنية – لا شيئ و لا حتى فكرة صالحة سليمة، اذ نلاحظ ذلك حين نسمع اذاعات و تلفزات و نقرا صحف و كتب الغرب و نقارن تقنياته بما عندنا – ثمة عالمين متعارضين: عالم الفراغ و الخواء و الهستيريا و العاطفة المرضية و البؤس و التعاسة و الفقر و المشاكل اللانهائية و الغباء و الفوضى و عدم القدرة على التنظيم و النظام و الاوساخ و الازبال و الاهمال و الكسل و التهاون و التهور الخ – و عالم مسالم، بارد، عقلاني، منظم، عامر علم و معلومات صحيحة علمية لا متناهية و تسامح و لذة و ابتكار و ذوق رفيع في الطبخ و الموسيقى و السينما و الادب و الاغاني و سلامة و ذكاء في منتوجاته الثقنية، و فلاحة و صناعة عالية – الخ

  • fouad azrou
    الثلاثاء 8 ماي 2012 - 14:17

    bravo cher monsieur d'avoir bien détailler le malheur de se genre de savants .

  • rachid
    الثلاثاء 8 ماي 2012 - 17:55

    merci hafid de montrer la verite sur nos miserable savants .

  • متفائل
    الثلاثاء 8 ماي 2012 - 21:26

    @الصالحي عثمان
    ألا ترى أنك بالغت أكثر من اللازم , هل تعتقد أن كل الناس في الغرب يعيشون اليوتوبيا , ما رأيك إن قلت لك إن الأغلبية تعيش التفاهة و السفاهة و إنعدام المعنى و الخواء و الأمور ستسوء أكثر في السنوات القادمة . لا يمكن لمن كانت عيناه مريضتان و عليهما عشاوة أن يروأ الأمور بشكل سليم , فما بالك بمن كان على قلبه غشاوة كيف سيدرك حقيقة الوجود .
    @كاتب المقال
    أحسنت التشخيص فحبذا لو حاولت أن تقترب من الحل

  • سيمو
    الأربعاء 9 ماي 2012 - 15:22

    من العار ان يفكر مسلم القرن الواحد و العشرين متل مسلم القرن التامن عشر.
    من العار ان يصير الدين قناعا لعقد المتدينين
    لا يمكن ان يتعايش الدين و الحقد في نفس واحدة،من يهاجم و يشتم و ينتقد اي شيئ ليس بمسلم و لو فعل دلك باسم الدين.
    من العار ان نسمع مسلما يحرم الفن و الرياضة في هدا العصر

  • محتسب
    الأربعاء 9 ماي 2012 - 21:06

    عبثا تحاول أيها المسكاوي الجويهل أن تنال من المنهج السلفي ، ولكن هيهات ،
    أخرج مسلم (1920) من حديث ثوبان، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ"
    عبثا تحاول أن ترضي الجهال والمنافقين والكفار فلن ترض عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم ،
    فأمة الرسول صلى الله عليه وسلم ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة .
    إلى الجاهل الذي يمدح الغرب الكافر إقرا التاريخ قليلا لتعرف ماذا فعل الكفار بالمسلمين في الأندلس ومصر والدول التي استخربها
    هنيئا لهم متعة الدنيا ، وفي الآخرة لهم عذاب شديد وخزي وهنيئا لنا الجنة بفضل الله ورحمته ، وشتان بين الدارين .

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج