هل ربط المسؤولية بالمحاسبة كاف من أجل الإصلاح المنشود؟

هل ربط المسؤولية بالمحاسبة كاف من أجل الإصلاح المنشود؟
السبت 28 أكتوبر 2017 - 14:09

كما هو معلوم، تم مؤخرا إعفاء بعض الوزراء والمسؤولين الكبار من مهامهم لثبوت تقصيرهم في القيام بواجباتهم والإخلال بالمسؤولية المنوطة بهم. هذه الخطوة لاقت استحسان الكثيرين لأنها تؤسس لمبدإ ربط المسؤولية بالمحاسبة، هذا المبدأ الذي يسعى من أجله وينادي به كل المصلحين. ولا يسع كل من يغار على بلده إلا أن يرحب بهذه الخطوة الهامة وغير مسبوقة التي قام بها ملك البلاد على درب الإصلاح. فحسب علمي، لا أذكر أنه -وبسبب التقصير في القيام بالواجب- حدثت إعفاءات ومحاسبات بهذا الكم ولمسؤولين كبار بهذا الحجم في تاريخ المغرب القريب.

لكن مع هذا أقول: إن تطبيق مبدإ ربط المسؤولية بالمحاسبة على الحالة المغربية بالخصوص ومع أهميته البالغة غير كاف، وما هو إلا خطوة هامة في طريق الإصلاح الشاق والطويل. ولتحقيق الإصلاح الشامل، لابد إلى جانب ربط المسؤولية بالمحاسبة من أمور أخرى.

إن محاسبة المقصرين والمفسدين من الوزراء والمسؤولين والموظفين وحتى المواطنين العاديين أمر ضروري بالطبع وهو من تجليات العدالة التي لا تستقيم المجتمعات بدونها. لكن هذا المبدأ إنما يؤتي ثماره المرجوة بين الشعوب والدول المتحضرة التي يغلب فيها الصلاحُ الفسادَ، إذ يمثّل المفسدون أقلية أمام الأكثرية الصالحة من أفراد الشعب ويكون الصلاح هو القاعدة والفساد استثناء وتلفظ وترفض الأكثرية الصالحة الأقليةَ الفاسدة وتستشين تصرفاتها (أقصد الصلاح والفساد بمنظور المواطنة وليس بمنظور الإيمان –حتى لا يستدرك علي هواة الاستدراك-).

مع هذا الوضع الذي يغلب فيه الصلاحُ الفساد، يحس الفاسدون والمفسدون بالغربة والحرج بين أفراد أسرهم وزملائهم وأصدقائهم وفي مجتمعهم، لأن الكل منضبط بالقانون ويعزف نفس المعزوفة ويحتكم إلى نفس القيم إلا هذه الأقلية الفاسدة الشاذة التي تسبح ضد التيار.

في ظل هذا الرفض والنبذ المجتمعي لتصرفات الفاسدين في الدول المتقدمة، تأتي المحاسبة القانونية في انسجام تام مع قيم المجتمع وسلوكه العام فتؤتي عوامل الزجر والمحاسبة أكلها، وإذا بالأقلية الفاسدة الغريبة بفسادها على جسم المجتمع الصالح، تنضبط بسلوكه العام محترمة قوانين وأعراف البلاد.

إن الوضع عندنا معكوس تماما، حيث يمثل الفساد القاعدة والصلاح الاستثناء! يجب أن نمتلك الجرأة لنقول: إن الأكثرية منا فاسدون وإن الصالحين والمنضبطين بالقانون يحسّون بالغربة في بلدنا، تماما كما يحس الفاسدون بالغربة في الدول المتقدمة.

قد يرى البعض هذا الكلام قاسيا، لكنها الحقيقة التي نحسها ونعايشها في كل يوم وفي كل لحظة من خلال الطريقة التي نتعامل بها مع بعضنا البعض ومن خلال الطريقة التي نتعامل بها مع قوانين البلاد.

لنكن صرحاء ولنجب على الأسئلة التالية بصدق:

– كم نسبة المغاربة الذين لا يتعاملون بالرشوة إما أخذا أو عطاء؟ مع العلم أننا كلنا ننكر ونستنكر هذه الظاهرة ونعتبرها من أهم مظاهر وصور الفساد.

-كم نسبة المغاربة الذين يصرّحون بحقيقة وقيمة ممتلكاتهم ومقتنياتهم لدى مصلحة الضرائب ولا يتهربون من أداء واجباتهم الضريبية؟ وكم تخسر خزينة الدولة جراء هذا السلوك المشين والفساد المبين؟

-كم نسبة المغاربة الذين لا يغشّون في أعمالهم وتعاملاتهم ويعاملون الغير كما يحبون أن يعامَلوا، ملتزمين بقوانين الله وقوانين العباد؟

أليست هذه -وغيرها كثير- أنواعا من الفساد؟ إنني لا أرى فرقا بين نجّار أو حدّاد أو بنّاء أو تاجر بسيط مثلا، يعد زبناءه بتقديم خدمة بشكل معين وفي وقت محدّد فإذا به يغش في الجودة ويتماطل في الوقت، وبين وزير أو برلماني يغش أو يتماطل في تنفيذ الوعود وإنشاء المشاريع. إن الحساب واللوم يكون بالطبع حسب حجم المسؤولية، لكن هذا لا ينفي أن كلا الرجلين فاسد لا مبدأ له. ولا ينفي كذلك أن من فسد تصرفه في صغار الأمور سيفسد أيضا في كبارها. إن المبرر الذي تسوقه أنت أيها المواطن العادي أو الموظف الصغير لتبرير فسادك كالتعامل بالرشوة أو التهرب من أداء الضريبة أو الغش والتقاعس في أداء الواجب، هو نفس المبرر الذي سيسوقه الوزير الفاسد والموظف الكبير الفاسد، سيقولون جميعا: “الكل يفعل…”!

باختصار أقول: إن طريق الإصلاح أمامنا لا يزال طويلا وإن إجراءات زجرية من هنا وهناك -مع ضرورتها- لن تحوّل مجتمعاتنا من مجتمعات فاسدة إلى مجتمعات صالحة ولن تحول دولنا من دول متخلفة إلى دول متقدمة. وإذا أردنا أن نحاسب بالفعل كل من يخالف القانون، فأخشى أن لا ينجو من المغاربة أحد. ومن لم يستحق منا السجن استحق الغرامة، لأننا كلنا أو جلنا على الأقل نخالف القانون، كل حسب مسؤوليته وحجم مخالفته.

إن الإصلاح الحقيقي لن يتم إلا إذا كثر الصالحون في البلاد وأصبحوا هم الأغلبية والقاعدة في المجتمع وهذا لن يتم فقط بفتح السجون والمحاكمات والإعفاءات وإنما يتم بتظافر جهود كل الجهات التي لها تأثير في بناء وإصلاح المواطن الإنسان. لا بد إذا من تربية حسنة داخل الأسرة ولا بد من تعليم جيد في المدارس ولا بد كذلك من إعلام هادف ومسؤول، إلى جانب وضع سياسات كبرى تعتمد إصلاح الإنسان فكرا وسلوكا وتعتمد كذلك تجفيف منابع الفساد.

‫تعليقات الزوار

4
  • hossain moslih
    السبت 28 أكتوبر 2017 - 18:07

    إذا ما نظرنا لمضامين نص الخطاب الأخير لجلالة الملك نصره الله سنجد جملة كانت غاية في الدقة وهي كالتالي *المساهمة في نشر الوعي بضرورة تغيير العقليات التي تقف حاجزا أمام تحقيق التقدم الشامل الذي نطمح إليه*إذن فالمسألة ككل تحتاج إلى توعية الحكومة والسلط والجماهير بحجم خطورة الفساد والسبيل الوحيد للإنهاء هذه المعضلة هو إسهام الأسرة والمدرسة والإعلام في تزكية روح الإصلاح في نفوس جل المغاربة حتى تصبح الأفعال الفاسدة خزي وعار في تصورات الناس كحال منظورنا للأكلي رمضان،

  • زينون الرواقي
    السبت 28 أكتوبر 2017 - 19:41

    أولا الوزراء المعفيون من مهامهم ليسوا فاسدين بدليل ان تقرير المجلس الأعلى للحسابات نفى ان يكون هناك أي اختلاس وبالتالي فاعفاؤهم جاء بسبب التقصير الذي قد يكون له ألف سبب لا نعلمه ولا يعلمه من أثخنوا هؤلاء ولا أحد منهم اطلع على محتوى تقرير المجلس المذكور .. لكن دواعي تحويل رياح الحراك والتذمر الشعبي عموما استلزمت أيجاد قرابين بينما الفساد الحقيقي بقي في مأمن من مقصلة الغضب فلم يشمل من تلاعب في صفقة اللقاحات ولا الزحف على الملك البحري ولا من تلاعب في المساعدات الموجهة لمدغشقر ونتذكر السفير الذي عصفت به غضبة ملكية أثناء زيارة العاهل للجزيرة ولا من غادر عكاشة وأموال CIH في رقبته ولا كثيرون يضيق المجال عن ذكرهم والذين تنفسوا اليوم الصعداء بعد ان حجب دخان احراق الوردي وحصاد اللذان لم يسرقا بشهادة السيد جطو ممارساتهم التي خربت وأضرت كثيرا بالبلد .. على كل من امتشق سيفه للتهليل للإعفاء ان يسائل نفسه ان كان قد اطلع على تقرير المجلس أم انه مجرد رقم في جوقة الحيّاحة .. لا أدافع عن أحد ولا أعرف أحدا ولا أنتمي الى أي حزب أو نقابة لكني لست مجرد حيّاح أو دقايقي من عشاق الاجهاز على الجثث ..

  • الحسن لشهاب
    السبت 28 أكتوبر 2017 - 23:12

    كلام موضوعي بكل المقاييس ،إلاصلاح لا ينحصر بين افراد طبقة اجتماعية معينة بل يشمل جميع الطبقات الاجتماعية و الاصلاح يتطلب تغيير سلوكنا القولي و الفعلي خصوصا ،و اصلاح المجتمع ينطلق من اصلاح الفرد و اصلاح الاسرة ،عن طريق المنظومات الاقتصادية و التربوية و الثقافية ،وليس عن طريق تفقير عائلات الفاسدين و لا بسجن الفاسدين ،كما اقدم جزيل الشكر للكاتب المحترم و لموقع هسبريس.

  • جلول
    الأحد 29 أكتوبر 2017 - 08:43

    اذا وليت أمرا او منصبا فأبعد عنك الاشرار فكل ما يفعلونه من اخطاء ينسب اليك ، الفساد لغة ضد الإصلاح ، وهي اخد مال الاخرين ظلما وزورا ، وبعد الفساد من الافلات المعارضة للفطرة البشرية التي خلق الله تعالى الانسان عليها، حيث أن أسباب الفساد ى ضعف الوازع الديني والاخلاقي فالشخص الفاسد هو شخص لا يخاف الله ، ولا يستشعر وجوده في مل مكان كما أنه لا يؤمن بوجود الحساب والعقاب ، وهنا يرجع التغلب النزعة الشخصية والمصالح الخاصة على النزعة الوطنية والدينية والمصالح العامة سواءا خارج الوطن او داخل الوطن ، كما يوحد النزعة داخل المساجد بهولندا واضرب على سبيل المثل مسجد روزندال ، فالشخص الفاسد يعيد أنانيا بطبعة لا يفكر الا بمصلحته ولو كان ذلك يسبب الأضرار بالآخرين.

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 2

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء