وطنيتنا لا تتعارض مع إنسانيتنا

وطنيتنا لا تتعارض مع إنسانيتنا
أرشيف
السبت 26 دجنبر 2020 - 00:43

تراجع بنكيران والعثماني وحزب العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي والاستقلال وأحزاب أخرى عن مواقفهم المتعلقة بملف “الشرق الأوسط” بشكل جذري أحيانا، ومدى إيمانهم بهذا التحول، لا يعنينا مطلقا، لأننا لم نتراجع عن مواقفنا ومبادئنا، بل نحن منسجمون مع ما كنا نؤمن به منذ عقود…

نعتبر القرارات السيادية للمملكة المغربية من خلال خلق التوازن بين تحيين العلاقات مع إسرائيل ومن خلالها مع مليون يهودي مغربي مقيم هناك، من جهة، والتمسك بقرار الدفاع عن القضية الفلسطينية وحل الدولتين، من جهة أخرى، قرارات حكيمة وذكية، تجسد جانبا من جوانب قيم “تامغربيت” المجيدة…

المغرب لا يملك مفاتيح حل قضية فلسطين ولا الروهينغا ولا الأرمن ولا كردستان، ولم يتخلى عن موقفه تجاه فلسطين والقدس أبدا، لكن من حقه كذلك، بل من واجبه إحياء صلة الرحم مع مليون يهودي-مغربي بالدولة العبرية، (منهم من عاش بيننا ستة قرون، ومن كان هنا حتى قبل قدوم الإسلام)، عليه كذلك أن يكون واقعيا، والواقع يؤكد لكل لبيب أن المقاطعة لا تخدم القضية الفلسطينية في شيء، وتطبيع العلاقات لن يؤثر أبدا في مسارها…

هذا في ما يخص مواقف الدولة، التي نقدرها ونشيد بها.

أما عنا نحن فنضيف أن المغرب يوجد في شمال إفريقيا ومجاله الطبيعي في المتوسط وإفريقيا، ولا يمكنه أبدا أن يستنزف طاقاته وموارده ويزج بنفسه في تقوقع إيديولوجي قوامه “القومجية المزيفة” أو “الأصولية الدينية”، أما إذا تعلق الأمر بالتضامن الإنساني مع الشعوب التواقة للتحرر، فهو واجب تجاه فلسطين كما تجاه شعوب أخرى.

نعم نتضامن مع الشعب الفلسطيني، ولو كان مختلفا عنا ثقافيا وحضاريا، وحتى لو كنا نتشارك معه الكثير من القيم أو في عقيدة جزء منه (الشعب الفلسطيني خليط من المسلمين والمسيحيين وغيرهم)، تضامن إنساني عميق جدا.

لكن علينا أن نكون إنسانيين تجاه شعبنا أولا، مع فئاته الفقيرة والمحرومة ومعطليه ومهمشيه، مع أولئك الذين يموتون في الجبال بردا في الشتاء، وبسم الزواحف والعقارب في الصيف، أولئك الذين لا يجدون ما يسدون به رمقهم، تتحالف ضدهم الطبيعة والتهميش، دون أن يلتفت إليهم أحد! أولئك الذين تلتهمهم الحيثان في البحر الأبيض المتوسط، وأولئك المحبطين في كل البقاع!

تضامننا مع أبناء شعبنا من الكادحين طبعا، سيكون خذلانا إذا اقتصر على الكلام الخشبي من وراء شاشات الهواتف على الفضاء الأزرق، أو الصراخ الهزيل الذي لا يقودنا إلى حلول واقعية لآفاتنا، أو المسيرات المحتشمة، بل من خلال الانخراط الفعلي في إبداع مشاريع بديلة، وبرامج سياسية ومجتمعية من شأنها المساهمة في محاربة الفساد الذي ينخر جسد وطننا، والبطالة التي تشرد شبابنا، والفقر الذي ينسف تطلعات أهالينا في الكرامة والعدالة الاجتماعية، والعزلة التي تقتل جبالنا وقرانا وأحياءنا الهامشية كل دقيقة.

المغرب لم يُوجد لنضع فوق عنقه حملا أثقل من قواه، بالكاد تكفي سواعدنا وطاقاتنا لإصلاح مجتمعنا وأوضاعنا، بالكاد نستطيع العمل لإنقاذ أهلنا من الفقر والتهميش والبطالة والعزلة.

لن نسكت عن قول الحق أينما كان هناك ظلم، لكننا لن نُفْرِط في استهلاك الشعارات الرومانسية، ولن ننساق وراء موسيقى دونكيشوت وأحلامه الطوباوية ولو كانت عادلة فالواقعية تنقصها، ولن نرتدي جلبابا أكبر منا، ولن نحمل أنفسنا ما لا طاقة لنا به، ولن نفرِّط في حبة رمل من صحرائنا ولا في قضية صغيرة من قضايانا المصيرية!

إن مقررات الاستلاب، وأساطير الاغتراب، أحدثت جرحا في جسدنا، فلم يعد الكثيرون منا يحسون بقدسية الانتماء لهذه الأرض المباركة، حان الوقت لنكون مغاربة بالأولوية، ننتصر لقضايانا أولا، ونهتم بمشاكلنا أولا، ونتضامن مع معوزينا أولا بالفعل لا بالقول، وبعدهم نتضامن وندعم كل مظلوم!

حان الوقت ليختلس بعض سياسيينا زمنا قصيرا ليكتشفوا أن اهتمامات وتطلعات شبابنا، لم تعد بتاتا كما كانت في السبعينات والثمانينات!

شباب اليوم ليس شباب شعارات ثورية، ولا أحلام شعبوية، هو شباب يريد حلا لمعضلات الفقر والبطالة والأمية، يريد العيش بكرامة، وبمزيد من هامش الحرية!

حان الوقت للعودة إلى طريق “تامغربيت” الذي انحاز عنه الكثيرون.

وطننا أولا، وطننا ثانيا، ثم التضامن مع مظلومي ومقهوري العالم أجمع!

نحن إنسانيون بجرعة زائدة! لكن وطننا أكثر من ذلك، نسكنه ويسكننا!

ملاحظة: إذا أساءت إسرائيل يوما ما لمصلحة من مصالح المغرب العليا، سندعو إلى مقاطعتها بلا هوادة!

‫تعليقات الزوار

1
  • علي محمد
    الأحد 27 دجنبر 2020 - 01:08

    صراحة مصلحتنا مع إسرائيل سياسيا واقتصاديا، أما التعاطف فهو شعور شخصي، لقد خسرنا الكثير بسبب ارتباطنا بالشرق الأوسط.
    المغرب أولا
    مناهضة الفساد والفقر أولا

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | المنصور الذهبي
الجمعة 29 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | المنصور الذهبي

صوت وصورة
الحوار الاجتماعي والزيادة في الأجور
الجمعة 29 مارس 2024 - 22:00 17

الحوار الاجتماعي والزيادة في الأجور

صوت وصورة
رمضانهم | المسلمون في السويد
الجمعة 29 مارس 2024 - 22:00

رمضانهم | المسلمون في السويد

صوت وصورة
المدينة القديمة | الرباط
الجمعة 29 مارس 2024 - 21:00

المدينة القديمة | الرباط

صوت وصورة
بنك “CIH” يطلق خدمة “Google Pay”
الجمعة 29 مارس 2024 - 18:16 4

بنك “CIH” يطلق خدمة “Google Pay”

صوت وصورة
الفهم عن الله | الإلحاح في الدعاء
الجمعة 29 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | الإلحاح في الدعاء