ليس دفاعا عن الوزراء
لو أن الذين شغلوا مناصب عليا، كالوزارية مثلا، يُقْدمون على كتابة -وإن بالتفويض الاستئجاري- عن تجاربهم معها ومعيشهم فيها، إذن لأفادوا من زواياهم ومقارباتهم تاريخ المغرب الحديث سياسيا واقتصاديا أو في مجالي الاجتماع والثقافة.
والشرط الأوكد في ذلك هو قول حقائق والإدلاء بالشهادة ما استطاعوا، متجنبين اللسان المخشب وخطاب المداراة والمخاتلة. وهذا الصنف من الكتابة له تقليد في البلدان الديمقراطية المتقدمة، من جديد قطوفه كتاب الاستراحة La récréation لوزير الثقافة الفرنسي الأسبق فريدريك ميتران، وسبقه بعقود مؤلف المذكرات المضادة Les antimémoires لأول وزير للثقافة في الجمهورية الخامسة أندري مالرو.
إن العقدة الصلبة في حياتنا السياسية الخصوصية هي أن أي وزير جديد يجد نفسه أمام خيارين فارقين متغايرين:
الخيار الأول: يقضي حيال جسامة مأمورية الإصلاح بترك الحبال على الغوارب ودار لقمان على حالها والاكتفاء بالحد الأدنى من الترقيعات والطلاءات، التي لا تغني ولا تسمن من جوع؛ إنه إجمالا خيار شعاره “الله يخرَّج سربسنا على خير”، أي ينشد الاستقرار و”السلامة” من تصريف الأعمال العادية وتزجية الوقت بالمهادنة والجمود على الموجود وبإرضاء الخواطر ولو بالوعود العرقوبية الموكولة إلى النسيان وفعل الزمان المحوي؛ غير أن صاحب هذا النهج يخاطر بـالتعرض لتنقيط سيئ من طرف الراصدين والمراقبين، بل لجواز محاسبته وإعفائه، كما حصل يوم 24 أكتوبر المشهود. والأولى بهؤلاء أن تكون لهم من هنا فصاعدا الجرأة على تقديم استقالتهم، سيما وأن هذا الطابو قد أسقطه الخطاب الملكي يوم 29 يوليوز 2017.
والخيار الثاني يكمن في محاولة قبض الثور من قرنيه والسير، حسب نهج مضبوط وأجندا محددة، على طريق الإصلاح، مع بذل قصارى الجهود، والتحلي بالشجاعة والإقدام… إنه خيار يتخذ له متبنيه مسلّمة هي أن وجوده في هذا المنصب السامي لا يبرره قانونا وعقلا إلا السعي الحثيث إلى الإصلاح كركن ركين، هو بمثابة أعز ما يرتجى ويطلب، أي إلى تأسيس لدينامية بناءة من شأنها تحفيز هذا القطاع أو ذاك على إعطاء أحسن ما يستطيعه للبلد من أجل ترقيته وتحسين صورته. لكن المتبني ذاك – وهنا يكمن بيت الداء والعقبة الشاقة (وما أدراك منها!)- ما إن يجدّ ويكد في السير قدما إلى الأهداف المرسومة والنتائج الملموسة المتوخاة حتى يجد أمامه فئتين:
كل واحدة تروم تسويد صحيفة الأخرى في عينيه، مسخرة ًكل الأساليب والسهام لفضح فسادها وولاءاتها الخفية الملتبسة، وكل هذا لنيل ميل الوزير وعطفه والاستفراد بهما دون الفئة الأخرى. وفي الغالب الأعم يكون الصراع بين الكاتب العام ومدير المالية وأعوانهما والمأذون بالصرف، وبين مدير الديوان ومستشارين ومدراء مركزيين…
وفي هذه الحلبة التي هي في آخر التحليل عبارة عن مصطدم الأهواء والمواقع والمصالح، على المسؤول الأول أن يتدبر أمره وخطته، متجنبا الإنحياز لفريق ضد آخر، ويظل كذلك حتى إذا تبين له الحابل من النابل والمنافق من الصادق، ولو بعد مدة تلتهم من زمن ولايته، أعلن رؤيته الإصلاحية مرفقة بسياسة وروزمانة للإنجاز والتحقيق. وعندها يتحرك في الظل والخفاء كل من لا تخدمه إرادة الوزير الإصلاحية والتقويمية، فيقاومونه بشتى العُدات والوسائل التي لهم في إدارتها وتدبيرها حيل كثيرة ومهارات…
إن لقطاع الثقافة مثلا تماهيات مع قطاعات وزارية أخرى ذات العنصر البشري الكثيف (وما أدراكم ما العنصر!)، وكان لي فيها زملاء عرفتهم وعاشرتهم، وشهدت أن أغلبهم كانوا من المخلصين لقسمهم، المتفانين في أداء مهمتهم بصدق وأمانة، ومن ثم تصبح حالة القلق وحتى الأرق ملازمة لهم، فالمناصب التي يشغلونها تشريف لهم بقدر ما هي تكليف. وتمضي الأيام مصرفة بين المجالس والغرفتين والاجتماعات والملفات والاستقبالات والسفريات الضرورية، وبين مواجهة قضايا ومشاكل على الصعيد المركزي والإقليمي والجهوي. ولا مناص للمضطلعين من تجاوز قدراتهم الذاتية ومغالبة التعب والإرهاق، وذلك لأن الرهان يكمن أساسا في أن يكونوا عند حسن الظن ويتوفقوا – ولو بمقدار – في أداء المهمة المناطة بهم.
لكن ما القول لـمّا يتعرض التشريف الملازم للمنصب إلى النهش من داخل القطاع، فلا يبقى إزاءه إلا التكليف ومتاعبه؟ التكليف الذي تُسلب منه أسباب الهيبة والحرمة يضحو حملا لوزر، يثقل أكثر فأكثر كاهل الموزر، الذي يكون عليه أمام تحديات أطر وتجاوزاتهم أن يثبت ويستميت في ما ندب له نفسه: إنجاز الإصلاح والمشاريع.
وتمثيلا بحالتي الشخصية على رأس وزارة الثقافة مدة ثلاثين شهرا قبل حل حكومة عباس الفاسي، فقد وجدت وزارة عبارة عن حقل أنقاض وألغام، أشرفت عليها سيدة لا حول لها ولا كفاءة، أصيبت خلال ولايتها القصيرة بانهيارات عصبية، تمّ إعفاؤها على إثرها… ففي هذه الوزارة: ما العمل حيال ميزانية هزيلة وكثرة الأذرع المكسورة والموظفين الأشباح؟
ما العمل أمام مديريات ومؤسسات يعمل القيمون عليها باستقلالية تامة عن الوزارة التي ينتمون إليها تنظيميا وقانونيا؟ ما العمل أمام معاهد ذات طابع تعليمي صرف، عوض أن تتبع لوزارة التعليم تُلحق على نحو شاذ بوزارة الثقافة التي ليست مؤهلة ولا قادرة على توظيف أفواج المتخرجين، الذين يأتون للتظاهر أمامها مطالبين بالتوظيف في القطاع العمومي حصريا؟
ما العمل مع جمعيات تطالب بالدعوم وتـحصل عليها بشتى الضغوطات وبالرغم من كونها توجد في وضعية غير قانونية؟ وما العمل مع أخرى تمتنع عن تقديم تقارير أدبية ومالية، غير عابئة بوجود مؤسسة إسمها المجلس الأعلى للحسابات؟ ما العمل مع فنانين من ذوي الحاجات وغيرهم صارت علاقتهم مع الوزارة تسولية وما شابه؟ ما العمل مع موظفين يراكمون وظيفتين أو أكثر، واحدة في الوزارة وأخرى في القطاع الخاص كمهندسين أو مستشارين؟ وهلم جرا.
إنها اختلالات وخروقات هي بمثابة صورة مصغرة لوضع الإدارة العمومية الفاسدة وما تعرفه من أزمة هيكلية ووظيفية؛ وقد واجهتُ نصيب الوزارة من ذلك الوضع بكل ما أوتيت من طاقة وجهد، فأنجزت ما استطعته خلال ولايتي المجتزءة، وضمنت حصيلتها موثقةً في كتيب عنونته “والإصلاح الثقافي أيضا”.
إن تلك الإختلالات والخروقات لهي من صنف ما لا يحل قانونا ولا يصح عقلا السكوت عنه والإمساك عن مباشرته ومحاولة علاجه. وهنا أيضا ما إن يشرع حامل حقيبة المتاعب في إنجاز ما لا بد منه، بعد مشاورة بعض الخبراء والنصحاء الثقات، حتى ترى أصحاب المواقع والمصالح ومحترفي الريع والإبتزاز ينتفضون ضد مريد الإصلاح، فيجردون الأقلام بأسماء مستعارة أو مأجورة، وذلك للإجهاز عليه بشتى المساءات، شاهرين ثم مطبقين خيار المقاطعات والوقفات.
وفي هذا السياق، كم تعاطفت مع وزير العدل سابقا مصطفى الرميد، لما سمعت أنه اشتكى أمام النواب من المصاعب الجمة التي يلاقيها في تدبير شؤون قطاعه خصوصا مع كتاب الضبط، حتى إنه قال، وعيناه رطبتان، باحتمال التحاقه بسلفيه المحمدين بوزبع والناصري، طيب الله ثراهما.
رجائي أن لا يفهم من كلامي أني أنافح عن بيضة الوزراء، كلِّ الوزراء، وأذود عن حماهم، ذلك لأنهم ككل البشر غير معصومين من الخطأ ولأن، كما ألمعت، ضمنهم الذين يمرون خفيفي الوطء، لا حسَّ ولا حسيس، تراهم يتجنبون المشاكل بتعليقها وقضاء المأموريات بتركها أو تأجيلها، وحتى بغض الطرف عن ممارسي التجاوزات والخروقات، وذلك كله للحفاظ من جهة على صحتهم من “الستريس” المتصل وعواقبه الوخيمة، وتسترا، من جهة أخرى، على كونهم ما وصلوا إلى الوزارية إلا بفعل أخطاء في “الكاستينگ” أو بسبب ظاهرة المحسوبية والزبونية داخل أحزابهم المشاركة في الحكومات المختلطة.
ويا لهول الخسار الزمني! ومثال خَلفي أشهر من أن يساق، فالرجل أتى يوم تسليم السلط مرفوقا بنسيبه وولي نعمته إسماعيل العلوي وبجمهور حاشد غصت بهم القاعة عن آخرها. وحين سألت مدير ديواني عن سبب ذلك قال إن طابور الجالسين والواقفين من مناضلي الحزب، فبدا لي أن أطلب منهم جميعا المغادرة لكون حضورهم غير قانوني ولا سابقة له، لكني عدلت عن ذلك من باب التجاوز والتغاضي. وما أدليت به في هذا الشأن عن الصهر غيض من فيض وما خفي أفدح.
*
ختاما، إن الخطابين الملكيين المؤرخين بيومي 29 يوليوز و24 أكتوبر 2017 يؤسسان لمنعطف فارق بين زمنيتين: زمنية الفوضى واللامحاسبة وإضاعة فرص الإصلاح الجذري، وزمنية أسقطت ورقة التوت عن التقنوقراط وبعض الحزبيين، ونأمل أن تكون فاتحة خير ودينامية متجددة، مبدؤها تقييد المسؤولية بالكفاءة والنزاهة والمحاسبة على أن تشمل هاته مساعدي الوزراء كذلك.
وهذه الزمنية الجديدة يبدو فيها أنموذج التنمية المغربي متجاوزا، كما أقر به جلالة الملك في خطابه الأخير أمام البرلمانيين. وهذا مما يدعو إلى تبني التنافسية الاقتصادية، ونظام التكتلات الاتحادية والتعاونية، وإلى اعتبار الأحداث الجسام الفيصلية، التي تستوجب الاندماج الدينامي الفاعل في سيرورة العولمة، والتفاعلَ البناء مع انتفاضات الناس ضد أنظمة الاستبداد السياسي والقهر الاجتماعي والمعيشي، كما عبروا عن ذلك إبان ما أسميناه “الربيع العربي”.
وبالتالي، لقد أمسى اليوم من المستعجل فكُّ الارتباط كليا مع مسلكيات التلاعب بالوقت وتزجيته هباء منثورا، وإلا ارتدت علينا عقارب ساعاته بعواقب وخيمة سيئة ،كما حدث لنا فعلا طوال عقود مضت. إن الحكامة الجيدة هي أيضا التدبير الجيد للزمن بالأجندة المحكمة، والبرمجة الحكيمة، والمواعيد المستجيبة جميعها للانجازات المهيكلة الرافعة، التي تتأبى التسويفات والإبطاءات المخلة المعرقلة.
وبناءً عليه، فمن قدر من الوزراء والمسؤولين على ذلك فبها ونعمتِ، ومن عجز فأمامه أرض الله الواسعة وأبوابُ الإستقالة والاستعفاء المشرعة.
شيء جميل ان تقرأ لوزراء سابقين ،تحية للسيد الوزير السابق،اتمنى ان يصبح تقليدا ببلدنا.لما له من فوائد في ترسيخ الشفافية .
حميش أحسن وزير للثقافة عرفه المغرب،بل في كل العالم رمم كل المعالم التاريخية المغربية والأسوارالعتيقة فتح متاحف وشيد المسارح والقاعات وفي فترته ازدادت المكتبات العمومية وانتشرت المطابع في كل المدن والأحياء.ببساطة إنناالأن ننعم بثورته الثقافيه .رحم الله امرء عرف قدر نفسه.
وكما يقول المغاربة ''أولاد عبدالواحد واحد''.
من اتهمتها بلاحول لها ولاقوة،ثريا جبران ،ولا أعرف لماذ غيرت اسمها من السعدية قطيف أو اقطيطيف،حسب بعض الأقلام التي كانت تنهال عليها كل يوم والغريب بل منذ اليوم الأول من تعيينها هي أشرف وأطهر منكم جميعا معشر القومجيين،يقال أن الجمل لا يرى إلا سنم غيرة.
والله..اللي ما يحشم.
تحليل ممتاز.
المقال عظيم.
الموضوع ممتاز و عظيم لفهم ما جرى طيلة 18 سنة مضت, منذ 14 مارس 1998 الذي تميز بخروج التقنوقراط و وصول رجال السياسة إلى المناصب الوزارية, و لحث كل وزير حالي و كل شخص يطمح لتقلد, في يوم من الأيام, المنصب المخصص للوزير (في نظامنا الملكي الشريف, الوزير مطالب بمؤازرة جلالة الملك في سعي جلالته لتحقيق طموحات شعبه العزيز) على فتح صفحة جديدة تتميز بالعمل الجاد و بالشجاعة الفكرية و بالمهنية في إتخاذ القرارات و بتغليب الممارسة السياسية بمفهومها النبيل. كل وزير و كل شخص طموح لشغل ذلك المنصب سيجد نفسه, مباشرة بعد الإطلاع على المقال, مطالب بتغيير فهمه لشعار "الله يخرَّج سربسنا على خير" بإظافة عبارة "لصالح الشعب" و تجنب عبارة "لصالح فلذات الكبد فقط و السماسرة و الانتهازيين" التي تسكن خلاياه العصبية و تسري مسرى الدم في عروقه.
شكرا ســـــــيــــــدي سالم بنسالم حميش على ذلك المقال الممتاز العظيم.
أتذكر أنني في يوم 5 أبريل 2012, 93 يوم فقط على تسليمكم مفاتيح وزارة الثقافة لخلفكم السيد محمد أمين الصبيحي, وجهت رسالة لهذا الأخيرة, مسجلة بمكتب الضبط المركزي, لازالت نــــائمة هنالك.
وهناك خيار ثالث لم يتحدث عنه كاتب المقال: هو خيار من يتحمل المسؤولية فيطير عقله ولا يكد يصدق منصبه، ومباشرة يبدأ في تصفية الحسابات مع كل من كانت له معه خصومة قديمة، ويشرع في الانتقام من كل من لم يكن صديقا له متعاطفا معه، ويشرع في اتخاذ القرارات بمزاجية غريبة، بل يطالب بأن توضع كل البرامج والمشاريع فوق مكتبه ليتأمل فيها ويراجعها باعتباطية وذاتية قاتلين. هذا الخيار، وهذا الصنف من الوزراء، أيضا جربناه وعرفناه مع الاسف في هذا البلد.
نشكر السيد بنسالم حميش على هدا المقال المفيد وعلى جراته وشجاعته من اجل افادة الراي العام من تجربته الوزارية وتوضيح الصعاب التي يمكن لكل وزير مواجهتها اثناء تادية مهامه.
ياليت كان بإمكان كل وزير سابق ان يحدو حدو السيد بنسالم ويكتب تقريرا مفصلا عن تجربته الوزارية موضحا الصعوبات والمعيقات التي واجهته اثناء تنزيل برنامجه الوزاري على ارض الواقع، حتى يتسنى لجميع المسؤولين في الوزارة وغيرها مراجعة سلوكاتهم واعمالهم ومواقفهم لتقويمها وتصحيحها لتتماشى مع اهداف الصالح العام وليس مع المصلحة الحزبية او الشخصية الضيقة.
كلام جميل، كلام معقول، ما قدرش أقول حاجة عنو… لكن …
تشخيص دقيق لوضعية قطاع الثقافة والذي يمكن تعميمه على كافة القطاعات التي تعرف تسيبا خطيرا .
مقال يكشف العراقيل التي تعترض الفاعل السياسي المصلح ، وقد لا ينصف لتضارب المصالح بين فئات اعتادت الإفساد والاستفادة من بيئة الفساد الذي تضخمت جذوره وسرطنت الحقول برمتها .
الجميل أن التشخيص صادر من وزير سابق خبر الحقل وألغامه ، رغم أنه أتى متأخرا بعد أن حطت الحرب أوزارها .
مقال يمكن إدراجه ضمن كتابات الإنصاف الذاتي بدلا من النقد الذاتي .
تتمة لما جادت به قريحتي أتمنى أن يبادر كل وزير من الوزراء المعاقبين على قطاع الأشغال العمومية على ربط الإتصال برجال الثقافة و خاصة بكاتب هذا المقال الممتاز العظيم لتحرير مقالات مشابهة في الشكل فقط. كم أتمنى أن يصدر كتاب سنوي يحمل عنوان: إعترافات الوزراء لتنوير رأي المغاربة الشرفاء.
كل التحية والتقدير للسيد الوزير كاتب المقال، أسلوب رائع، ومضمون أروع، أردت في البداية أن أتصفح الأسطر الأولى من المقال، ووجدت نفسي مسترسلاً في القراءة حتى النهاية. ولاشك أنني سأبحث عن كتاب "والإصلاح الثقافي أيضا" لكي أستمتع بأسلوبك الراقي أستنير بما يتضمنه من معلومات..
الاستاذ بنسالم ، من اليراعات الزاخرة التي ترشح كتابات طافحة بالفائدة و الجمال .. و كم كانت سعادتي غامرة يوم سمي الأستاذ وزيرا للثقافة .. زعمت ذلك اليوم أن مقولة " الرجل المناسب في المكان المناسب " قد تحققت أخيرا .. غير أن الأيام أسفرت عما لم يدر في الخلد ، و يا ليت ذلك لم يكن كذلك .. !! ثلاثون شهرا أنفقت في الشد و الجذب بين الموالين و المعارضين في ردهات الوزارة ، تحولت المكاتب إلى خنادق تحدد فيها النصال و تشحذ بها الحراب .. على أسلاك الجرائد نشر غسيل الثقافة زنخا ، اتهامات ،و تحرشات ،و معاكسات … اما المبادرات فقليلة و ضعيفة و فجة .. أغلبها للاستهلاك الإعلامي ، وربما لذر الرماد في العيون .. لا كتب اتسعت رقعة انتشارها ، و لا قراءة تضوع رحيقها ، و لا مسرح مادت خشباته ، و لا موسيقى صدحت أنغامها … تأسفت كثيرا ، لا لشيء إلا لأن صورة الكاتب الناقد الجهبذ قد تهشمت في مخيالي . و تيقنت بعد مغادرته للوزارة أن صاحب القلم يستحيل ان يندمج في رتابة الإدارة ، إن الفضاء الرحيب يليق بك بعيدا عن مهالك السياسة و ملاحم الرياسة .. دمت للقراءة و الكتابة فتى زينا ذا شامة ..