ثريا المسجد الأعظم بتازة... تتحدث عن نفسها

ثريا المسجد الأعظم بتازة... تتحدث عن نفسها
الأحد 14 يوليوز 2013 - 13:41

هي تحفة فنية من أجمل ما أبدعت يد الصانع المغربي / الأندلسي على صعيد الغرب الإسلامي وربما على مستوى العالمين العربي والإسلامي ككل وبدون أي غلو ، لأنه في حدود علمنا لا توجد ثريا أكبر ولا أجمل من ثريا المسجد الأعظم بتازة ، حتى ارتبطت في خيال العامة برمزية الدم ، ذلك أن حكاية تروى عن فتاة ارتكبت معصية في زمن ما ، ولجأت إلى التوبة والاستغفار تحت الثريا المذكورة فكان أن هوت عليها بدل أن تمنحها العزاء الذي طلبته ( …..) ، ولا يكمن المستوى البعيد للخيال الشعبي في هلاك المعنية بالأمرفقط ، لأن الثريا تزن 32 قنطارا ولكن أيضا في الطريقة التي تم بها رفع الثريا من جديد ، فقد قيل إن القوم ذبحوا ثورا شرسا في ليلة عيساوية لاهجة بذكر الله ونبيه المختار ( ص) والتضرع بالمديح والسماع وما أن أهل الصباح ولاح حتى رفعت إلى مكانها الأصلي بإذن العلي القدير…. ، ونحن نعلم الإحالات الرهيبة للدم في ثقافتنا المغربية وضمن رمزيتنا الدينية ، فالميلاد مقترن بالدم ( العقيقة أو ” السبوع “) وكذلك الختان ثم الزواج وأخيرا الوفاة في نهاية المطاف ، بل تتم إسالة الدم حتى عند اقتناء دار جديدة أو بعد محصول جيد …الخ …

هنا يطرح التساؤل فعلا عن الطريقة التي تم بها في الأصل رفع تلك الثريا العظيمة إلى مكانها الحالي أمام محراب المسجد الأعظم بمدينة تازة الواقع في الحيز الشمالي للمدينة العتيقة ( أطلق على قاطنيه قديما أهل أو ” موالين الجامع ” مقابل ” الفوقيين ” أي الحيز الجنوبي لنفس المدينة ) علما بأن من وضعها في مكانها أو بالأحرى من أمر بوضعها هو السلطان أبو يعقوب يوسف المريني سنة 694 هجرية ( كانت تازة خلال هذه الفترة التاريخية منطلق المرينين قبل بناء العاصمة فاس البيضاء أو فاس الجديد )، بعدما تمت توسعة المسجد الذي أسسه في البداية عبد المومن بن علي الموحدي سنة 542 هجرية ، مما يدل على المستوى الذي وصلته الحضارة الإسلامية في المغرب خلال عهد بني مرين ، في المقاسات والأبعاد والمسافة الدقيقة بينها وبين أرضية المسجد وسقفه من جهة وعبر محيط الأقواس والزخارف والنقوش من جهة أخرى ، وهناك مبلغ التأنق في الزخارف والخطوط وطريقة رسم الآيات القرآنية والأشعار…كما وصل مجموع ما أنفق عليها وعلى ما زيد في الجامع حسب الباحث المرحوم أبي بكر البوخصيبي ( كتاب ” أضواء على ابن يجبش التازي ” ص45 ) ثمانية آلاف دينار، علينا أن نقدرها اليوم بعشرات أو مئات الملايين دون مبالغة …وغير بعيد عن هذه الثريا هناك أخرى أصغر حجما كانت عبارة عن ناقوس جلب من إحدى الكنائس الاسبانية مما يرجح أن الثريا المعنية صنعت وركبت بكل من الأندلس والمغرب ….

الأمر يتعلق بثريا نحاسية ضخمة بديعة الصنع ، يثير شكلها المخروطي إعجاب ودهشة المشاهد الذي يؤم المسجد للصلاة بالطبع ولكنه يخلب بجمال هذه الثريا خاصة عندما تضاء ليلا ( ويجتمع الزوار والمصلون حولها في الجمع والأعياد والمناسبات وخاصة خلال ليلة القدر المباركة ) وزنها كما سبق الذكر 32 قنطارا ، وعدد كؤوسها ( أي المصابيح ) 514 وفي الغالب فإنها عوضت القناديل الزيتية خلال مرحلة ما من تاريخ البلاد ، وبها منمنمات وخطوط رفيعة تعكس الدقة والخبرة في تخطيط وكتابة الآيات القرآنية ( آيتان من سورة النور وأية ثالثة من سورة البقرة تستهل بالتعوذ والبسملة وبخط مغربي متأنق ) وكلها عبارة عن نقوش خطية ، وللتذكيرفالثريا المذكورة هي الإيقونة التي أصبحت رمزا لمدينة وإقليم تازة ولجماعتها الحضرية أيضا إلى جانب المناظر الطبيعية والمغارات والأسوار التاريخية والأبواب ( أهمها باب الجمعة الرابط بين التازتين : العليا والسفلى )….ولنعد إلى جانب مثير آخر في هذه التحفة وهي أبيات شعرية ( وزن بحر البسيط المخبون عروضا وضربا وحشوا : مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن ) نظمت على لسان الثريا و نقشت في أسفل دائرتها خلال العصر المريني ويبدو أن شاعرها الأصلي فضل أن يبقى مجهولا منذ ما يزيد على 700 سنة من التاريخ تقول القصيدة الرائية :

ياناظرا في جمالي حقق النظرا ….ومتع الطرف في حسني الذي بهرا
أنا الثريا التي تازا بي افتخرت ….على البلاد فما مثلي الزمان يـــرى
أفرغت في قالب الحسن البديع كما ..شاء الأمير أبو يعقوب إذ أمـــرا
في مسجد جامع للناس أبدعه …. ملك أقام بعون الله منتصــــــــــــرا
له اعتناء بدين الله يظــــهره….يرجو به في جنان الخلد ما ادخـــــــرا
في عام أربعة تسعون تتبعها ….ست المئين من الأعوام قد سطـــــرا
تاريخ هذي الثريا والدعا لأبي….يعقوب بالنصر دأبا يصحب الظفـرا

* كاتب / فاعل مدني

‫تعليقات الزوار

4
  • الأستاذ محمد مقبول
    الأحد 14 يوليوز 2013 - 17:29

    تحية تربوية عميقة لمدينة تازة الشامخة شموخ جبال الأطلس الصامدة بمعالمها التاريخية الأصيلة وبأسرها المتأصلة العريقة طفولة وشبابا وأمومة وأبوة ورمضان مبارك كريم

  • السعدية ابرو
    الأحد 14 يوليوز 2013 - 19:13

    استاذي هذا ، درسني قي تازة في بداية التسعينيات من القرن الماضي …

    كان جد ناقم على الدين الاسلامي ،وكان يمجد احد الاحزاب الاشتراكية .ويبين لنا تاريخ الحزب المجيد في القسم …وكان لايشرح المحاضرات ..بل السياسة فقط..

    الآن اصبح يكتب عن المسجد ،وعن الثريا …ربما الرجل يراجع نفسه ..نتمنى ان يزور الجامع الكبير وان يصلي فيه التراويح ..ليرى بأم عينيه كيف ان الثريا تغيرت ..

  • هسبريسي
    الإثنين 15 يوليوز 2013 - 04:31

    امثالكم الثريا في مملكتنا لشريفة استاذ عبد الالاه و نافع و الريسوني و المودني و غزال و الجابري و الجنداري و مصباح و العاجي و مدير هسبريس و الرياحي و الجميع

  • كاتب عمومي
    الإثنين 15 يوليوز 2013 - 13:03

    أستاذك المحترم كتب عن الثريا وعن المساجد وعن ابن يجبش التازي وابن بري في ذلك الوقت أيضا ولا عقدة له نهائيا لأنه لا يرى أي تناقض بين الجوانب المشرقة للتراث العربي الاسلامي وتطلع الشعوب نحو التقدم كما علمه حزبه الاشتراكي سابقا الذي اشرت اليه بالضبط وما ذنبه ان كان فكرك مسطحا يا أختاه ولا تقرأين أيضا لأنه سبق أن كتب عن نفس المواضيع ذات الطابع الديني والرمزي أم ان الدين فقط هو العمامة واللحية والسواك ؟ قاتل الله الجهل والجهال

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52

“أش كاين” تغني للأولمبيين