دونباس الأوكرانية تتحضر لوقت صعب

دونباس الأوكرانية تتحضر لوقت صعب
صورة: أ.ف.ب
الإثنين 4 أبريل 2022 - 20:49

تخلو دونباس، التي هي راهنا تحت سيطرة أوكرانية، شيئا فشيئا من سكانها الذين ركبوا القطار بالمئات في نهاية الأسبوع من محطة كراماتورسك الصغيرة هربا من الزحف الروسي على منطقتهم.

ويروي ناصر، وهو متطوّع في المجال الإنساني يساهم في تيسير عمليات الإجلاء: “الحال كذلك منذ نهاية الأسبوع مع نحو ألفي شخص في اليوم يتّجهون غربا نحو لفيف ومدن أخرى. وكان قطاران ينطلقان في العادة من المحطة يوميا، لكن بات عدد القطارات اليوم أربعة”.

ويقرّ أندري، الذي تنتظر زوجته مع الطفلين وصول القطار وقد احتموا مع حقائبهم من المطر تحت سقف كشك لبيع البطاطس المقلية: “الوضع سيئ. غادر كثيرون، والرجال يبقون هنا في حين تذهب عائلاتهم”.

لا تخفي صوفيا حزنها وتقول: “أرسل كغيري أطفالي إلى الغرب”… “حيث لا منشآت عسكرية”، على ما يوضح أندري.

مثل ماريوبول

منذ أعلنت روسيا نيّتها “تركيز الجهود على تحرير دونباس”، تعيش هذه المنطقة الغنية بالمناجم الواقعة في شرق أوكرانيا حالة من الذعر، خشية استهدافها بهجوم عسكري واسع النطاق.

وتتوقّع السلطات الأوكرانية أن يتفاقم الوضع في المنطقة، في حين تحاول القوات الروسية التضييق على الجيش الأوكراني المتمركز منذ 2014 على خطّ قتال يمتدّ من دونيتسك جنوبا وصولا إلى لوغانسك شرقا، وهما عاصمتا “جمهوريتين” انفصاليتين مواليتين لروسيا تحملان الاسمين عينيهما، وبات يشمل إزيوم في شمال غرب البلد، التي سقطت قبل فترة قصيرة بين أيدي الروس.

وتقع كراماتورسك، التي باتت بحكم واقع الحال منذ أكتوبر 2014 عاصمة للجزء الذي مازال تحت سيطرة أوكرانية، في قلب هذه المنطقة الساخنة، ما يعني أنها ستكون محاصرة.

تكشف فيكتوريا، وهي طبيبة شابة تعمل في المجال الإنساني: “بحسب المعلومات الأخيرة، تدفع روسيا جنودها شرقا وسنُحاصر من كلّ الجهات عمّا قريب”، وتردف: “نأمل أن يصمد جيشنا، فقد نشهد المصير عينه كماريوبول”، في إشارة إلى المدينة المطلّة على بحر آزوف جنوبا التي عاث فيها الروس دمارا؛ وهي تقرّ: “لم نشهد في الواقع حربا فعلية بعد في كراماتورسك”.

وكانت كراماتورسك، الواقعة في حوض الدون، تضمّ قبل الحرب أكثر من 150 ألف نسمة؛ وهي مدينة كبيرة نسبيا ولا تظهر عليها كثيرا آثار القصف الذي استهدف المطار.

والوضع هادئ راهنا والشوارع خالية من المارة ويخيّم عليها هدوء كذاك الذي يسبق العاصفة.

ويحذّر أندري من أن “القصف قد يبدأ في أيّ وقت”.

وتؤكد سفيتلانا، التي اصطحبت صديقتها إلى محطة القطار: “الشائعات تنذر بحدوث أمر رهيب هنا”. وقد غادر أطفال سفيتلانا، في حين بقيت هي هنا مع زوجها للاعتناء بالجدّة.

فترة صعبة

تصطف العائلات مع الأطفال الصغار على الجهة اليمنى من رصيف القطار، في حين يقف الكبار في السنّ والنساء الوحيدات على الجهة اليسرى؛ ومن بين هؤلاء امرأة اسمها سفيتلانا، تحمل حقيبة ظهر سوداء مليئة بالمقتنيات في يد وتمسك كلبة لها في اليد الأخرى.

وحتّى الكلبة ميكا ترتجف “من التوتّر”، فهي “فهمت أن أمرا ما يحدث”، على حدّ قول صاحبتها.

وتكشف سفيتلانا: “دبّر لي أصدقاء شقّة في ريفني (على بعد أكثر من 300 كيلومتر من غرب كييف). وقد استولى علينا الخوف فعلا، وانتظرنا حتّى اللحظة الأخيرة، لكن حان وقت المغادرة”.

يضمّ شرطيّ بزيّ أسود ويحمل سلاحا ابنته بين ذراعيه، ويقول: “هم فلذات الكبد”.

يجلس أفراد عائلة ريبالكو على مقعد ويتبادلون أطراف الحديث، ويأكل الابن الأصغر الشوكولا، في حين تلعب شقيقته الكبرى. وينام قطّ سيامي في علبة.

وتقول الجدّة تامارا: “أردنا البقاء حتّى اللحظة الأخيرة، لكن بقاء الأطفال محفوف بالمخاطر. ويُقال إن جبهة القتال ستنتقل إلى هنا. يصعب عليّ أن أصدّق الأمر. وسيبقى زوجي هنا، فهو شديد التعلّق بمنزله وحديقته والكلاب”.

العمليات مضبوطة جدا، ويركب السكان القطار بالدور وسط أجواء من التوتّر والحزن والاستسلام.

يصل القطار المؤلف من 10 عربات زرقاء باتّجاه خميلنيتسكي، في رحلة تمتدّ على 800 كيلومتر غربا وتستغرق 14 ساعة. ويتكدّس الركّاب في العربات بمساعدة المتطوّعين. ويخبر المشرف على القطار سيرغي بوباتيينكو:

“في الأحوال العادية، نضع أربعة أشخاص في كلّ قسم، لكن الآن نضع ثمانية، أي نحو 700 مسافر في القطار”؛ وهو يعتذر عن لباسه غير الرسمي، إذ لم يتسنّ له أن يعتني بمظهره من “كثرة العمل”.

ويركب الجميع القطار في بضع دقائق بعد عناق خاطف من هنا وقبلة سريعة من هناك، ويد طفل على الزجاج لتوديع ذويه.

ويقول إيفان زوج تامارا: “لماذا أبقى هنا؟ مدينتي ستكون بحاجة إليّ من دون شكّ. وأنا قد ولدت هنا وأمضيت حياتي هنا. سوف ننتظر أن تمرّ هذه الفترة الصعبة”.

‫تعليقات الزوار

4
  • مواطن غيور1
    الإثنين 4 أبريل 2022 - 20:56

    السلام عليكم
    شاهدنا وشاهد المغاربة هول ودمار وقتل المئات من الأبرياء في اوكرانيا.
    الجثت ملقاة في الشوارع، من قتلهم؟
    ما الذي اختلف عن مشاهد القتل في سوريا؟ الجواب لاشيء.
    رجاء لا تشجعوا القتل، ومن رأى منكم فليغيره ولو بلسانه!

  • مواطن غيور1
    الإثنين 4 أبريل 2022 - 21:07

    ويقول إيفان زوج تامارا: “لماذا أبقى هنا؟ مدينتي ستكون بحاجة إليّ من دون شكّ. وأنا قد ولدت هنا وأمضيت حياتي هنا”.
    هذه الكلمات لمن يتساءل لماذا الأوكرانيون يحاربون؟والقليل من المعلقين من يعرف معنى أن تدافع عن وطنك!

  • لقد غرر بهم
    الإثنين 4 أبريل 2022 - 21:30

    لقد غرر باوكرانيا التي تقول انها ديمقراطية .لم نسمع عن ديمقراطيتها وعن المعارضة هناك ديكتاتور دفع بالبلاد الى الحرب فقد دمرت بلاده دون ان يدمر ولو منزلا واحدا في روسيا فلو فجر عمارة في موسكو لتوقفت الحرب. اليمن رغم امكانياتها استطاعت الوصول الى العمق السعودي وتوقفت الحرب عاى الاقل شهرين متماسين

  • كريم
    الإثنين 4 أبريل 2022 - 22:48

    الى التعليق الاول
    اولا هناك فرق بين اكرانيا وسوريا
    سوريا 8 مليون شخص هرب من البلاد في اول شهر , واغلبهم رجال , والي هرب اول مرة وصل لاوروبا يصورون في الحانات وتركو اخواتهم في سوريا وامهاتهم واخوانهم ,,, حب الدات حتى انهم في الاعلام يفتخرون انهم حتى قبل الحرب لم تكن الحانات والملاهي والحياة الاوروبية في سوريا ,,
    ام اكرانيا فقط النساء من خرج ام الدكور الكل بقى
    انا شخصيا انا اتعاطف مع اكرانيا لانه شعب يفكر في مستقبله , الان 2 مليون لاجئ اكراني رجعو الى بلدانهم لكي يبنوهم

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 1

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج