أزمة مراقبة المال العام بالمغرب

أزمة مراقبة المال العام بالمغرب
الإثنين 19 دجنبر 2011 - 00:32

يعتبر تدبير السياسات العمومية بالمغرب إحدى المعضلات الكبرى التي استعصت على جميع الحكومات السابقة، سواء فيما يتعلق بطرق التدبير في حد ذاتها، أو بطبيعة الهيآت التي تعد هذه السياسات والاستراتيجيات والأوراش الكبرى، أو بالتكاليف المالية لهذه السياسات التي تتم ترجمتها إلى برامج ومهام يوكل أمر تنفيذها للأجهزة الحكومية أو الوكالات والمؤسسات العمومية التي توجد بدورها في وضعية غموض مطلق.

ويعتبر الحديث عن الفساد المالي والإداري، وغياب شفافية التدبير واستشراء الفساد والرشوة بشكل غير مسبوق، إحدى النتائج المباشرة للغموض الكبير الذي يطبع طرق إعداد السياسات العمومية وطرق تدبير المال العام بالمغرب.

فتدبير المالية العمومية يقع في صلب الحديث عن الفساد المالي، ولا يمكن في هذا السياق ذكر الفساد المالي دون الحديث عن الهيآت المختصة بتدبير السياسات والاستراتيجيات العمومية وبتنفيذها على مستويات مختلفة، ولا يمكن أيضا الحديث عن الإصلاح ومحاربة الفساد وتخليق الحياة العامة وترشيد الإنفاق العمومي دون التطرق للآليات الأساسية التي تمكن الحكومة من الرقابة على التدبير العمومي ومن صيانة المال العام ووقف نزيف الرشوة والفساد.

وتعتبر بعض المؤسسات الرئيسية أهم الآليات المتاحة لمراقبة تدبير المال العام وتتبع إعداد وتنفيذ السياسات العمومية ومراجعة تكلفتها المالية وتدقيق أهدافها وتأثيراتها على العمل الحكومي ككل.

أولا: المفتشية العامة للمالية وعجزها عن محاربة الفساد

تمثل المفتشية العامة للمالية إحدى أهم آليات الرقابة التابعة لوزارة المالية، وتختص قانونا بمراقبة مالية الدولة والجماعات المحلية ومختلف المنشآت والمؤسسات العمومية والشركات الوطنية، وتمارس رقابة بعدية على تنفيذ الميزانية، وبالنظر لوضعيتها القانونية يُفترض أن تكون من أهم هيآت الرقابة الإدارية وإحدى أسس ترشيد التدبير العمومي ومحاربة الفساد والرشوة واختلاس الأموال العمومية.

كما يُفترض أن تقوم هيأة التفتيش العام للمالية بإجراء المراقبة على الوثائق وفي عين المكان، وتتم عادة هذه الرقابة عبر إجراء التحقيقات بخصوص مختلف الإجراءات والمساطر المتعلقة بالتسيير المالي، والتأكد من صحة وسلامة وقانونية العمليات المالية المرتبطة بتنفيذ الميزانية العامة وميزانيات الجماعات المحلية.

ولا تقتصر هذه الرقابة على المشروعية وإنما تطال أيضا – على الأقل من الناحية النظرية – تنظيم وتسيير المرافق الجماعية وطرق تدبيرها.

وإذا كانت أهمية الرقابة التي تجريها هذه الهيأة الرقابية لا يمكن إغفالها، على الأقل من الناحية القانونية، وإذا كان تخصصها يعد على الأقل نظريا شاملا لجوانب التسيير والتدبير المالي، إلا أن واقع الحال يؤكد جمودها التام مما يفقد رقابتها أية فعالية حقيقية، إضافة إلى وجود مجموعة من الصعوبات والعوائق التي تحول دون أن تمثل هذه الهيأة عصب وأساس العمل الرقابي الممارس على المالية العمومية ومالية الجماعات المحلية.

فبالنظر لوضعية المفتشية العامة للمالية (شأنها في ذلك شأن المفتشيات المركزية لمختلف القطاعات الوزارية)، ونظرا لمحدودية تأثيرها الفعلي ولضعف أدائها العملي، يحق التساؤل عن الدور حقيقي المخول لهذه الهيأة وعن أسباب هذا التهميش الذي يطال الرقابة على المال العام.

فحصيلة المهام الرقابية لهذه الهيأة التي قاربت على إكمال نصف قرن من إحداثها يعتبر مبررا كافيا للوقوف على الوضع الحقيقي للرقابة على المال العام والتدبير المالي العمومي والمحلي ولإعادة النظر في وضعيتها القانونية والمؤسساتية.

فالمفتشية العامة للمالية تعرف عجزا بنيويا ووظيفيا يتجلى بالأساس في افتقادها لمخطط رقابي واضح يجعل عملها ذا طبيعة دائمة ومستمرة ويخولها سلطة التدخل التلقائي وفق رؤية مندمجة وبرمجة استراتيجية واضحة، كما أنها اختارت ومنذ إحداثها التركيز على تكوين أطرها وتخريج المفتشين أكثر مما اهتمت بتنويع آلياتها الرقابية وتطويرها وإرساء ثقافة الرقابة على المال العام.

وعلى المستوى الميداني، بقي عمل ونشاط هذه الهيأة الرقابية هامشيا ومحدود الأثر الفعلي، وتركزت مهامها الرقابية بالدرجة الأولى على بعض الإدارات المالية المركزية أو مصالحها الخارجية، وميز عملها نوع من الضعف الوظيفي والهيكلي.

بل إن عملها الرقابي يكون في الكثير من الأحيان هامشيا وبدون أثر فعلي، مما يفقدها أية فعالية ويطبع تدخلها الجانب الشكلي والمسطري الجامد، ويشوبه في أغلب الحالات ضعف واضح في الأداء، حيث يتم إيفاد المتمرنين في حملات تفتيش تهم بعض الجماعات المحلية أو المرافق التابعة لها والتي تتطلب خبرة وحنكة في ممارسة العمل الرقابي.

فالمطلوب آنيا وضع “مخطط استراتيجي لبرامج تدخلاتها في مجال التدقيق والمراقبة وتتبع تنفيذ السياسات العمومية”، كما تعبر مراجعة نظامها القانوني وتوضيح مجالات تدخلها وآثاره القانونية، وإحداث مفتشيات جهوية تابعة لها، أحد الأوراش الهامة التي يمكن من خلالها تفعيل دور الرقابة العليا الإدارية على تدبير المالية العمومية.

ثانيا: المجلس الأعلى للحسابات ومحاربة الجرائم المالية

أفرد الدستور الجديد حيزا هاما لهذه المؤسسة التي تعتبر هيأة عليا للرقابة على المال العام، وخصها بمقتضيات تمنحها اختصاصات ذات طبيعة رقابية وقضائية حقيقية (الفصول من 147 إلى 150 من دستور 2011) وضمن استقلاليته وخوله مهام جسيمة تتعلق أساسا بمراقبة تنفيذ الميزانية وبكيفية تدبير المالية العمومية في مجالاتها المتعددة، خاصة المتعلقة بإعداد وتنفيذ السياسات العمومية ذات الأثر المالي والميزانياتي.

فالمجلس الأعلى للحسابات أصبح يكتسي أهمية كبرى على الرغم من عدد من الإشكالات التي تطبع عمله ومهامه، من غموض الوضعية القانونية ومحدودية الإمكانات المادية والبشرية.

وعلى هذا الأساس تعتبر المحاكم المالية هيآت عليا للرقابة على المال العام تناط بها مهام مراقبة تنفيذ الميزانية العامة وميزانيات الجماعات المحلية بمراحلها المختلفة وأجهزتها المتعددة، وتمثل بالنظر للمقتضيات الواردة في القانون المنظم لها “محاكم مالية” تناط بها ممارسة اختصاصات رقابية قضائية وإدارية حسب مجالات تدخلها.

فهل تستطيع هذه المؤسسة فعلا محاربة الجرائم المالية وردع العبث بالسياسات العمومية؟

وهل تملك من الآليات القانونية والعملية لحماية المال العام؟

إن حماية المال العام تعتبر اليوم في صلب التدبير العمومي ومن أهم أولويات العمل الحكومي، على اعتبار أن تعزيز الرقابة القضائية التي تضطلع بها المحاكم المالية وإعادة النظر في دور ومهام وهياكل المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات يعتبر أحد الركائز الأساسية في سياق إقرار مبادئ الحكامة السياسية والمالية والتدبيرية.

فعندما تم التنصيص خلال التسعينات على دسترة المجلس الأعلى للحسابات للحسابات اعتُبِر الأمر حينها نقلة نوعية، وتم الحديث عن دخول المغرب مرحلة تاريخية في إقرار الرقابة القضائية الحقيقية على التدبير المالي العمومي، وأُعطي الانطباع حينها أن حماية المال العام قد تم إقرارها في القانون الأساسي للمملكة.

غير أن وضعية هذه المؤسسات بقيت منذ ذلك الحين غامضة رغم صدور القانون المنظم لها، والذي قيد بشكل كبير من مهامها ضدا على المنطق الدستوري الذي يقضي بتوسيع مجالات عمل المؤسسات الدستورية خاصة في مجال الرقابة وضبط التدبير العمومي.

وحاليا مع توسيع مجال عمل ودور ومهام المجلس الأعلى للحسابات من قبل النص الدستوري نفسه، فإن الحاجة أصبحت ملحة لمراجعة شاملة للإطار القانوني للمحاكم المالية حتى تتمكن من مراقبة تدبير السياسات العمومية والاستراتيجيات القطاعية ومحاربة الجرائم المالية ووقف نزيف فساد المالية العمومية.

فحصر المراقبة على تنفيذ الميزانية، كما كان في الدستور السابق، يجعل الرقابة العليا شكلية وغير ذات تأثير حقيقي على الرغم من الأهمية السياسية والمعنوية للتقارير التي تصدر كل سنة، فالقانون الحالي لا يسمح للمحاكم المالية بمراقبة طرق تدبير السياسات العمومية ولا بطرق تدبير مالية الاستراتيجيات القطاعية.

فهل يستطيع المجلس الأعلى للحسابات بوضعه الحالي تقييم مخطط المغرب الأخضر أو المغرب الرقمي أو المغرب الطاقي أو هاليوتيس…؟

وهل تملك المجالس الجهوية للحسابات سلطة أو قدرة مراقبة وتقييم برامج التنمية الجهوية والمحلية التي يتم تنفيذها من قبل وكالات إنعاش وتنمية أقاليم الشمال والجنوب والشرق؟

إن حماية المال العام تعتبر رهانا أساسيا الآن في سياق الحديث عن الإصلاحات السياسية وفي أفق تنصيب أول حكومة ديمقراطية منتخبة يعرفها المغرب.

فبدون تفعيل الرقابة القضائية على المالية العمومية والمحلية وتعزيز دورها وتوسيع مهامها، لا يمكن الحديث عن اعتماد مبادئ الحكامة المالية؛

وبدون هيآت عليا حقيقية للرقابة على المال العام (تفتيشية وقضائية)، فسنجد أنفسنا أمام نظامين للتدبير العمومي، نظام خاضع لقرابة شكلية على تنفيذ الميزانية ويمثل الجزء الأقل اهمية، ونسق خارج أية رقابة وتتم إدارته خارج المؤسسات الدستورية التي يشملها الإصلاح، والتي تضم حاليا ثلثي التدبير المالي العمومي الوكالات والمؤسسات العمومية والشركات الوطنية)، ناهيك عن تدبير الملك الخاص للدولة الذي يبقى أهم مجالات غموض التسيير العمومي والذي توفق قيمتها الاسمية حاليا أزيد من 250 مليار درهم دون احتساب الأملاك الفلاحية والأوقاف وأراضي الكيش وممتلكات الجماعات السلالية.

فمن سيراقب هذا الكم الهائل من الهيآت الخاضعة للرقابة وهذا العدد غير المتناهي من المخططات والاستراتيجيات العمومية ذات التكلفة المالية المباشرة؟

ومن سيوقف إذن نزيف المالية العمومية إذا لم نعد خطة واضحة لتفعيل عمليات الرقابة على المال العام وعلى التدبير العمومي؟

*متخصص في العلوم الإدارية والمالية العامة
[email protected]

‫تعليقات الزوار

7
  • محمدي
    الإثنين 19 دجنبر 2011 - 01:27

    أشكر الدكتور برحو الذي عودنا على هذه المقالات العلمية التي تعري واقع الفساد وبؤس تدبير الشأن العام
    أتمنى للعدالة والتنمية التوفيق والقدرة على محاربة هذه الوضعية

  • BFG Laalou
    الإثنين 19 دجنبر 2011 - 01:33

    حذار من تكرار عملية "يد نظيفة" لإدريس البصري و ما كان لها من نتائج وخيمة، كما ان الصرامة تنفر رجال الأعمال. لا بد من الديبلوماسية و الطمأنة و الكياسة و اللين و الإغراء. كما أنه لن تسطيعوا تجاوز ما اتى به L'USFP و RNI من ثقنيات في التسيير و جلب المستثمرين الدوليين و تحصيل الضرائب. يقينا لن تكون اندفاع و حماس "لخوانجية"؛ كما ان النمو يخلق بالإبتكار و الحرية الفردية ; مثلا لإقتصاد عصري لابد من ثقافة عصرية تخلق قيم جديدة الخ. كيف ستوفقون بين المتناقضات؟

  • أبو أمين
    الإثنين 19 دجنبر 2011 - 12:50

    تريدون حماية المال العام بالمغرب….هاكم وصفة "من الداخل"
    1- جعل المراقبة "مواكبة" وليس "بعدية"….مثلا بالنسبة للجماعات المحلية بمختلف درجاتها تعيين ممثل للمجلس الجهوي للحسابات بالقباضات ، يكلف بالتأشير المزدوج على صرف نفقات الجماعات (بعد معاينة موضوع النفقة وليس فقط مراقبة استيفاء الوثائق لشروط الصرف) بحيث لا تصرف نفقة ما من ميزانية الجماعة تسييرا كانت أو تجهيزا إلا بعد المعاينة في إطار محضر رسمي بحضور جميع الأطراف المتدخلة (ممثل الجماعة- ممثل القباضة-ممثل المجلس الجهوي للحسابات).
    2-تمديد مسألة المراقبة ليس فقط للتنفيذ المادي للميزانية بل أيضا لتبعاته ، خاصة ما تعلق منها بمدى الملاءمة ، تجاوزا لمسألة "المشروعية" الفضفاضة ، بحيث تكون المسؤولية أيضا عن جدوى إقامة مشروع ما مثلا ،وتكون المسؤولية عن مسألة "الإفقار بدون سبب" للجماعة في حالة ما إذا تسببت المسؤولية التقصيرية للجماعة ومسيريها عن أحكام ضد الجماعة.

  • abdellatif
    الإثنين 19 دجنبر 2011 - 18:02

    تحية تقدير للاستاذ بروحو على هذه الغيرة وانكم تتكلمون من موقع المعرفة ،أعتقد أن هذا الورش يجب ان يكون ضمن أولويات الحكومة المقبلة اذا ما ارادت أن تتفادى السكتة القلبية التي يمكن أن تصيب الدولة في اي وقت نظرا للظرفية الصعبة التي تعرفها جارتنا أروبا وتفاقم البطالة في بلادنا، فهل سيشمل التصريح الحكومي مشروع الارتقاء بالحكامة المالية والادارية لأجهزة الدولة ؟
    الشعب يترقب اجراءات عملية .

  • marocain tout simplement
    الإثنين 19 دجنبر 2011 - 20:13

    etes vous entrain d'essayer de trouver des pretextes au pjd qui va gouverner?? etes-vous entrain de dire qu'il sera impossible de tenir les promesses electorales du pjd??? c'st une fuite en avant,si vous croyez que votre parti ne pourra pas combattre tous ces maux, vous auriez dû vous abstenir de participer aux elections et faire des promesses que vous saviez impossible a tenir!! non monsieur, vous etes engagés et maintenant responsables de trouver des solutions et surtout TENIR VOS PROMESSES ELECTORALES,sinon vous serez comme tous les autres partis sans aucune credibilté.
    ce que j'ai retenu par votre articles,c'est que votre parti le pjd ne pourra pas faire ce qu'il a promis et que vous essayer de vous justifier bien avant d'avoir entamé la resposablité. Non monsieur, si vous etes incapables commes les autres, demissionez et laissez des technocrates gerer les affaires du pays.
    ne promettez pas la lune aux marocains, ils savent a quoi s'en tenir.

  • محمد بورباب
    الإثنين 19 دجنبر 2011 - 23:39

    المرجعية الإسلامية لا تزال حية عند الناس ..ولا يسعنا إلا تفعيلها..أذكر قائد إحدى المقاطعات كلما دخل إلى مقاطعة إلا وألصق بجميع مرافق إدارته أحاديث وآيات تحث المواطنين على تجنب الرشوة والظلم والغش ..الخير فينا متجدر ..يجب أن نعزز الرقابة حيثما وجد المال ..فحيث يكون المال يوجد سارق المال ..وهذا دور المفتشون اللذين يجب أن تكون لهم كفاءات على رأسها الشهادة لهم بالنزاهة وتقوى الله..وهم موجودون ومعروفون في كل قطاعات الدولة.

  • ابوايناس
    الخميس 29 دجنبر 2011 - 01:07

    لا شك ان الرقابة القضائية الت تتم محاسبي تمارسها المجالس الجهوية للحسابات تفتقد الالزام .
    فما جدوى رصد خذه الاختلالات وتضمينها في تقارير ان لم تفعل وبالتالي تتم محاسبة المفسدين ,اكل هده الاسباب وغيرها اصبح ملوما ععلى المشرع المغربي ادخال مجموعة من التعديلات على مدونة المحاكم المالية لتتوافق مع المكانة الدستورية التي منحها المشرع لهذه الاخيرة

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج