التليدي: في تحليل أبعاد انتصار "العدالة والتنمية" في اقتراع 4 شتنبر

التليدي: في تحليل أبعاد انتصار "العدالة والتنمية" في اقتراع 4 شتنبر
الإثنين 7 شتنبر 2015 - 12:25

اهتم العديد من الباحثين والمحليين والفاعلين السياسيين بتحليل مخرجات العملية الانتخابية التي مرت يوم 4 شتنبر الجاري، وفرض الاكتساح الذي حققه حزب العدالة والتنمية للجماعات الحضرية توجيه البوصلة لعناصر قوة هذا الحزب: كاريزما قيادته وقوة خطابها السياسي، والاقتدار التنظيمي للحزب، والديمقراطية الداخلية التي يتمتع بها، والبعض فسر الانتصار بدرجة الإقناع الذي مثلته التجربة الحكومية، فيما أرجع البعض المسألة إلى ضعف المعارضة وقلة مصداقيتها وهشاشة بنيتها التنظيمية وعدم امتلاكها لخطاب سياسي مقنع، هذا فضلا عن الخلافات الداخلية التي أنكهت بعض مكوناتها وأفقدتها القدرة على تملك الجاهزية الضرورية لهذا الاقتراع.

بيد أن المهم في التحليل، ليس هو التعرض فقط للجانب الإيجابي في الصورة، وإنما المهم هو طرح السؤال السلبي (المعاكس) أيضا، وذلك لاختبار كل هذه المقولات من زاوية الضعف، وليس فقط من زاوية القوة، أي ليس السؤال المهم لفهم النجاح الذي حققه حزب العدالة والتنمية هو النظر في عناصر قوة الحزب، وعناصر ضعف منافسيه، وإنما السؤال المهم في اعتقادي، هو محاولة البحث عن التفسير من الزاوية المعاكسة، أي من الزاوية التي ظهر فيها ضعف أو عدم نجاح أو عدم تقدم العدالة والتنمية في بعض المناطق.

وبالنظر إلى خارطة هذه المناطق، أي المناطق التي لم يستطع الحزب لحد الآن أن يتمدد فيها أو ظهر فيها ضعف أو تراجع للعدالة والتنمية، يمكن أن نتحدث عن خمس مناطق أساسية:

1- المناطق المعروفة بانتشار زراعة الكيف (منطقة جبالا والريف…)

2- المناطق التي ينشط فيها التهريب( منطقة الشرق، وبالتحديد وجدة، والناظور والحسيمة، المضيق، الفنيدق…. )

3- المناطق التي يحكمها التوازن القبلي المحكوم لمدة طويلة بمنطق الريع. (جهات الصحراء مع تسجيل اختلاف في مستويات حضور الحزب فيها بحسب مستويات الانسجام والتناقض القبلي).

4- المناطق التي تعرف مستويات عالية من الهشاشة والعزلة (مناطق بجهة الشرق ومناطق أزيلال…..)

5- المناطق التي قوي فيها الخلاف التنظيمي داخل العدالة والتنمية (نموذج القصر الكبير، )

فإذا استقرأنا النتائج التفصيلية للانتخابات، سنجد أن العائق الذي يقف أمام العدالة والتنمية سواء في التمدد أو في تحقيق التقدم مرتبط من جهة بتفكيك العلائق البنيوية التي تربط ظاهرة الاتجار في الممنوع بالسلطة والثروة وهو ما سيحل بشكل شبه جدري آفة استعمال المال في الانتخابات، ومرتبط من جهة ثانية بتفكيك ما تبقى من هيمنة البنى القبلية، ومرتبط من جهة ثالثة بترسيخ نموذج تنموي عادل، ومرتبط من جهة رابعة بالقدرة على تحصين التماسك الداخلي للحزب.

وهكذا يبدو أن الأسئلة الأربعة مرتبطة بجوهر الحداثة، بما هي قدرة على خلق واقع سياسي يستمد فيه الواجب سلطته من ضمان الحقوق، حتى يتسنى لسلطة القانون أن تأخذ مداها وتفكك البنى التقليدية التي تبرر وجودها بحالة الفراغ الذي تخلقها الدولة نتيجة لعجزها عن خلف البدائل التنموية.

بمعنى، أن مختلف عناصر الخطاب التي استعملها الحزب في هذه المناطق لم يكن في مستوى التحدي الذي تمثله العلائق التقليدية التي تربط الاتجار في الممنوع بالسلطة والثروة، وأن الفعل الحكومي سيبقى عاجزا عن فرض قوة وسلطة القانون مادامت هذه المناطق تفتقد لخيارات تنموية بديلة.

كما أن هيمنة منطق القبيلة في تدبير التوازنات في منطقة الصحراء، وترسخ منطق الريع بها سيجعل من الصعوبة اليوم أو غدا للحزب أن يتمدد أكثر ما لم يجر تغيير في المقاربة السياسية والاشتغال على نموذج تنموي في جهات الصحراء يجعل من الاستغناء عن التوازنات القبلية أمرا ممكنا.

في حين، لا نحتاج إلى عناء كبير لنفسر محدودية حضور العدالة والتنمية في مناطق الهشاشة والعزلة، بحكم أن التجربة الحكومية في الغالب ما تكون أكثر استهدافا من قبل ساكنة هذه المناطق، لأن مدخل الإقناع لهذه المناطق يكون بفك العزلة وتحقيق كسب ملموس يظهر أثره الفعلي على الساكنة.

أما قضية الخلافات التنظيمية داخل الحزب، فالتجارب الانتخابية السابقة تؤكد هذه الفرضية بشكل كبير.

التركيب، الذي ننتهي إليه من هذا التحليل، هو أن الحزب يجد صداه داخل المدن بقوة، بحكم أنه يمتلك مشروعا تحديثيا لم تكتمل كل عناصره بعد، ولذلك، لم يستطع إلى اليوم أن يتمدد بشكل كاف داخل المجال التقليدي، والتفسير الذي نميل إليه وهو أن نجاحه في المدن يرجع إلى أن نخب المدينة تتعاطف مع الأحزاب الأكثر التزاما بجوهر الحداثة لا مجرد ادعاء الانتظام إليها، وأنها قدرت في هذه المرحلة أن هذا الحزب هو الأكثر تمثيلا لجوهر الحداثة.

ولعل ما يزكي هذا التحليل أن الوسائط التواصلية التي تستعمل في المدينة سمحت للحزب أن يظهر بصورته الحداثية: الحزب الذي يلتزم بالديمقراطية الداخلية، الحزب الذي يخضع وزراءه ومسؤوليه في المناصب السامية لمسطرة صارمة، الحزب الذي يعمل مبدأ محاسبة أعضائه وطرد المتورطين منهم في الفساد، الحزب الذي يتورع عن أكل المال العام، الحزب الذي يستحضر أعلى مستويات الشفافية والنزاهة في تدبير جماعاته، في حين عجز عن التوغل داخل المجال التقليدي لأن النخب التقليدية تهتم أكثر باستدامة شبكات علائقها أكثر من اشتغالها على تفكيكها ما لم تظهر مصلحة كبرى تبرر إحداث القطيعة بين النخب التقليدية وظاهرة الاتجار في الممنوع.

ربما يميل البعض إلى أن التجربة الحكومية كان لها صداها في تفسير السلوك الانتخابي، لكن بالنسبة إلي، ليس المؤثر في اعتقادي هو النجاحات التي حققتها العدالة والتنمية على مستوى ضبط التوازنات المالية الكبرى للدولة ولا إيقاف نزيف الموازنة المالية، فهذه القضايا الإصلاحية الكبرى ليس لها تأثير آني على مستويات عيش المواطنين، بل أحيانا كثيرة ما تكون مكلفة، إنما المؤثر في نظري هو نوع الخطاب الواضح والصريح مع الشعب، والذي أعطى صورة عن حزب آخر أكثر تمثلا لجوهر الحداثة بما هي هذه المرة تقوية للدولة ودفاع عن المصلحة العامة.

الرسالة التي يمكن التقاطها اليوم، من الحزب وخصومه أيضا، أن المضي في مسار التحديث سيكون خادما، بدون شك، لتقدم العدالة والتنمية وليس لخصومها، وأن العودة إلى التقليد وتوسيع مجاله، وإن كان بالإمكان أن يضعف تمدده، إلا أن نتائجه ستكون مدمرة للمصالح العليا للوطن، وأن المنافسة الحقيقية للعدالة والتنمية يلزم أن تكون داخل مربع الحداثة وليس بالاستعانة بالمجال التقليدي.

‫تعليقات الزوار

12
  • السويري الغالي
    الإثنين 7 شتنبر 2015 - 12:48

    ذاكرتنا قصيرة جدا و ننسى سريعا الاحداث و ما وقع في البلدان المجاورة و المغرب متأخر بخلاف ما يعتقده الكثيرون- ما وقع في الجزائر مثلا منذ 18 سنة هو نفس المسار اليوم الي يعيشه المغاربة و بنفس الحماس و الامال- لنتذكر الحملات الانتخابية في الجزائر و الفوز الساحق لجبهة الانقاد الاسلامية، يوما كنا نصدر المخاوف مما سياتي و هو ما حصل فعلا- و ثمة كتاب و صحفييون تنبؤوا بما سيقع في الجزائر من مدابح و اقتتال و صراع الخ- في المغرب الناس تعيش في الخوف و النفاق و لا احد يجرؤ على مواجهة القوى الرجعية و فضحها و تفكيك خطاباتها الاستيلابية القذرة و سياساتها المجحفة الخ لهذا نراها تتقوى و تزداد قوة الخ- و بما انها غير مبنية على العلم و العقلانية و النقد فانها سرعان ما تنتج و الكبت و التعصب و بالتالي الخراب و الدمار الخ ننسى تحليلات ابن خلدون لاننا لا نريد نقد الذات و ننكر الحقائق التاريخية بل العلمية

  • mido
    الإثنين 7 شتنبر 2015 - 13:16

    بالعكس المدن الجبلية كلها فاز بها حزب العدالة والتنمية
    تطوان
    الشاون
    العرائش
    وزان
    القصر الكبير
    اما في مدينة طنجة فالعدالة والتنمية اكتسح الانتخابات اكتساحا وحقق فوزا مدويا مع اغلبية ساحقة لتسيير المدينة للسنوات الست المقبلة بكل راحة وهدوء .. الحمدلله طنجة عادت للطنجاويين

  • مغربي حر
    الإثنين 7 شتنبر 2015 - 13:51

    رغم التشويش الذي مارسه شباط بكل الاساليب المنحطة على العدالة . فلم يرجع الا بالخيبة والعقاب .

  • محمد السعيدي
    الإثنين 7 شتنبر 2015 - 14:26

    الكلام والتحليل الذي جاد به الأخ بلال كله صائب لا غبار عليه ويا ليت شعري تقف الكوادر الكبرى للحزب على هذا الكلام وأمثاله لبناء غد أفضل في التجربة السياسية التي يخوضها الحزب الآن. ….والخلاصة التي نخلص بها من هذا التحليل هو ان الأحزاب الفائزة في هذه الانتخابات معpjdسبب تفوقها ليست الحداثة التي تخرج إلينا متبجحة بها في كل استحقاق بأكثر من انسلاخها من هذه الحداثة والديموقراطية التي تلوح بها في وجه كل كائن إسلامي.

  • هشام من العيون
    الإثنين 7 شتنبر 2015 - 14:34

    يعد الشافع الاساسي لتفوق العدالة والتنمية في الانتخابات النظافة النسبية للحزب من حيت الفساد واقر بنسبيا فلا يمكن تعويض( كفس) بما هو (اكفس) منه فحزب الاصالة والمحاصرة يدافع عن الواجهة المستغلة للبلاد حزب الاستغلال استنزف دمائنا ولا ننس احزاب شبع ولي شاط صدقو على الشعب

  • FOUAD
    الإثنين 7 شتنبر 2015 - 14:51

    الجزائر وقع فيها ما وقع لان "الحداثيين المزورين" انقلبوا على ارادة الشعب و تواطؤوا مع الجيش و الخارج لينقلبوا على الشرعية فكانت النتيجة 200000 قتيل حسب الاحصاءات الرسمية!
    الذي يتحمل المسؤولية هم "اعداء" الدمقراطية!
    ثم ان هناك فرقا بين بنكيران و علي بلحاج و تركيبة الجيش المغربي و الجيش الجزائري! و التدرج في المغرب و التحول المفاجئ في الجزائر! و تغللغل الجيش الجزائري في المال و الاعمال و الادارة بعكس المغرب!

    للتامل:
    في مقاطعة راقية في مراكش 50% PJD و 50% PAM
    و مع ذلك نسال الله السلامة§
    Mon salam

  • الباز الحكيم
    الإثنين 7 شتنبر 2015 - 16:55

    يرجع إلى ضعف المعارضة وقلة مصداقيتها وهشاشة بنيتها التنظيمية وعدم امتلاكها لخطاب سياسي مقنع، هذا فضلا عن الخلافات الداخلية التي أنكهت بعض مكوناتها وأفقدتها القدرة على تملك الجاهزية الضرورية لهذا الاقتراع.

  • البــاعمراني من البيضاء
    الإثنين 7 شتنبر 2015 - 17:23

    آشْ من انتصار الله °°°° ؟؟

    الإنتخابات إذا لم يكن لها اهتمام وصدى قوي لدى المواطنين فلا قيمة لها اصلا، وأنتم تعلمون اكثر من غيركم ان الغــــالبية الساحقة من الشعب المغربي يقاطعونها ولا يعتبرونها ، زيادة على ذلك لانرى أي حزب من هده الأحزاب السياسية الموجودة في الساحة المغربية اليوم له مصداقية لدى الشعب المغربي، ويتوفر على شعبية وازنة ومحترمة عنده، والدليل على ذلك أننا نرى جميعا ان أي حزب من الأحزاب التي احتلت المراتب الأولى سواء حزب البام أو الإستقلال أو البجيدي الدي جاء ورائهم حصل ولو حتى على ثمانية في المئة من اصوات 25 مليون ناخب مغربي تقريبا الذين يحق لهم التصويت بالطبع!
    المْخْيّر في تلك الأحزاب لم يستطع أن يستقطب ولو مليونين صوت في المغرب كله؟؟!!!
    والله إن المغرب اليوم في حاجة اكثر من أي وقت مضى لأحزاب حقيقية، وليس لأحزاب الكارطون الذين يشترون الدمم ويستعلون المال الحرام وبعضهم يستغل المقدس الديني لأجل أهداف سياسوية خبيثة.

    °°°°

  • الزهراوي
    الإثنين 7 شتنبر 2015 - 19:40

    تحليل الأخ تحليل واقعي علمي ينبغي أن يستفاد منه وهو تحليل أظن أن حزب العدالة والتنمية غير غائب عنها فينبغي دراسة هذا الأمر حتى ننعم بالدمقراطية الفعلية

  • si mou
    الإثنين 7 شتنبر 2015 - 21:21

    d'après les rumeurs venant des coins du Maroc l'achat des voix par certains partis d'une manière malsaine la seule cause qui empêche le PJD d'obtenir la majorité écrasante .

  • حسن الرباطي
    الثلاثاء 8 شتنبر 2015 - 10:45

    تحليل مميز وغير تقليدي
    استعان فيه الباحث الجاد بلال التليدي من معطيات علم الاجتماع السياسي
    لكن هل يتم الاستفادة منه سواء من قبل الحزب او الخصوم او الدولة نفسها

  • أبو أمل
    الثلاثاء 8 شتنبر 2015 - 12:40

    مقامة من مقامات انتخابية

    المقامة السابعة

    حدثني مواطن فطن مقهور، يقول: نحتاج اليوم إلى أحزاب حرة، مستقلة قوية. تقوم بالتأطير والتكوين، واقتراح حلول مفيدة. لتدبير شأن البلاد، بإرادة وحزم ومسئولية. لا نحتاج لأحزاب ضعيفة، مفبركة، هجينة. لا هَم لها إلا الابتزازَ بخلفيات ديمغوجية. نحتاج إلى كفاءات علمية ومصداقية. تعكس طموحات المواطنين بفعالية. تدفع البلاد نحو ديمقراطية حقيقية. لا إلى أصحاب المال ومآرب ذاتية. لا إلى الباحثين عن امتيازات وحصانة. لا إلى أميين وأشباه متعلمين وجهلة. نحتاج إلى شفافية وبرامج موضوعية. لا إلى ديمغوجية رثة، ووعود كاذبة. سئم منها الجميع، بتكراراتها المملة. لم يعد يتحملها أي أحد من الخليقة. كفى استهتارا بإرادة الناخبين السخية. كفى استخفافا بذكاء المواطنين البررة. أَلاَ يمل هؤلاء من ألاعيب النفاق الدنيئة. وينضبط الكل، لمحاسبة النفس اللوامة. بالعودة إلى الرشد قبل سقوط الأقنعة. فالوطن أكبر وأرحم، يتسع لكل طالبي التوبة.

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب