القاتل مقتولا

القاتل مقتولا
الإثنين 17 أكتوبر 2011 - 03:10

يحزنني الأمر كثيرا حينما أشاهد شبابا معطلا محتجا, جماعات وفرادى, أمام الوزارات أو العمالات أو الولايات, وأمام ردهات البرلمان أيضا, مطالبا ببعض من الإنصاف في حق شهادة عليا تبحث عن تقييم, أو بحق تكوين تم بالكامل المكتمل, لكنه لم يجد بالطرف الآخر, إقبالا أو استلطافا تحت هذا المسوغ أو ذاك.

هي احتجاجات تنبني على مطالب موضوعية ومشروعة, ترتكن على الدستور لإعمالها, وتنطلق من الحق في الاحتجاج السلمي, الذي تضمنه اللوائح والقوانين والتشريعات.

ليس مهما أن تتعامل السلطات العمومية بالإيجاب مع ذات الاحتجاجات, فتلك مسألة ضغط وموازين قوى. وليس من المفروض أن يدرك المحتجون مبتغاهم لأول وهلة, وبأول محاولة, فتلك مسألة وقت, وطول نفس وتوظيف للتكتيكات والمراوغات وفنون الحوار, من لدن هذه الجهة كما من لدن تلك.

لكن الذي لا يمكن للمرء أن يتغاضى عنه, فما بالك أن يقبل به أو يتقبله, إنما أمران اثنان:

+ الأول: ليس من حق المحتجين أن يذهبوا في احتجاجاتهم لحد تقويض مبد الأمن العام, بإغلاق الشوارع والطرقات مثلا, أو باستهداف المرافق العامة تدميرا أو حرقا, أو بالحؤول دون استمرارية المرفق العام, أو ما سوى ذلك.

+ الثاني: ليس من حق السلطات العمومية, إن احترم المحتجون هذه المنطلقات, أن تمنعهم من الاحتجاج, أو تغلق الشوارع والطرقات بوجههم, أو تعمل هذا “الاستثناء” أو ذاك لثنيهم عما هم عازمون عليه.

إن ما سبق ذكره هو الحد الأدنى لضمان حق الطرفين, محتجين وسلطات عمومية, وهو الحد الفاصل أيضا, لضمان حق المجتمع في ألا تتعطل مصالحه, أو تحول مجريات الاحتجاج دون حريته في الحل والترحال.

كل هذا قد يتم تنظيمه أو تقنينه أو التوافق بشأنه, لكن الذي لا يمكن القبول به بالجملة والتفصيل, إنما إعمال السلطات العمومية لمنطق التعنيف بسبب مبرر أحيانا, ودونما أسباب موضوعية تذكر في الغالب من الأحايين.

والسلطات العمومية التي تلجأ لهذه الوسيلة, ليست مؤسسة هلامية ولا هي بالجهة المجهولة الصفة, إنها الداخلية بكل مستوياتها الخشنة, من شرطة ودرك وقوات مساعدة, تحتكم كلها لقوة النار والحديد, فتعمد إليها تلقائيا, باستفزازها تارة, أو بأمر مباشر صادر عن هذا المستوى التقريري أو ذاك, تارات أخرى.

إنها القوة الظاهرة التي تعمل على تنفيذ قرارات قوة خفية, لا تشتغل مباشرة بالأرض, لكنها تقرر وتحسم وتصدر التوجيهات, بناء على تقارير, أو قياسا إلى حسابات, أو تقديرا من لدنها قد لا يكون دائما دقيقا أو محسوبا.

والقوة الظاهرة التي نقصدها هنا هم ذاك الشرطي أو الدركي أو المنتظم بسلك القوات المساعدة, والذين لا يحصلون في مجملهم على أكثر بقليل من الحد الأدنى للأجور…أي لا يختلفون كثيرا عن الذين يحتجون ( أعداءهم ” الافتراضيين” بالمحصلة), إلا “بسمو” اللباس الرسمي, والاحتكام إلى أداة القمع, بارودة كانت, أم عصا, أم حزاما مصنوعا من مادة صلبة, لا يبدو بكل الأحوال أنها قطن أو نسيج ناعم.

هؤلاء هم الذين يتصدون للاحتجاجات, لا بل هم من يخمد نارها في الغالب الأعم, تفريقا سلميا, أو إعمالا للقوة الخشنة التي تضرب في المقتل ( والمطلوب منها أن تضرب بالمقتل, بالرأس وبالبطن على وجه التحديد).

إنهم هم الذين ينوبون عن “الأعداء الواقعيين”, المرابطين بمكاتبهم المكيفة, أو المقيمين بضيعاتهم الشاسعة, أو المتناوبين على خطوط الطيران لتنفيذ هذه “المهمة” أو تلك, أو للاستجمام على حساب المال العام.

إن هؤلاء, شرطة ودركا وقوات مساعدة, إنما يقتلون أناسا من نفس طبقتهم, لا بل إنهم لا يتوانوا في اقتناء نفس وسيلة النقل تماما كضحاياهم, عندما تنتهي الجولة, ويعود كل إلى حال سبيله ومكان مبيته.

ثم إن هؤلاء هم الذين لا يتوانوا في ضرب وتعنيف محتجين, قد يكونوا مجهولين, لكنهم خاضعين معا لنفس الظلم والضيم تماما كجلاديهم, لا بل ولربما يقطن هذا بمحاداة الآخر, بهذا الحي الصفيحي البئيس, أو بهذا التجمع البشري ” العمراني” أو ذاك.

إني بهم ولكأنهم يقتلون بعضهم البعض, في حين أن الآمر بالقتل والتعنيف وأبناؤه, بعيدون عن ساحة القتال وما يترتب عنها من تداعيات. إنهم يتركوننا نقتل بعضنا البعض, من أجل ضمان حمايتهم وصيانة مصالحهم.

‫تعليقات الزوار

7
  • حاتم
    الإثنين 17 أكتوبر 2011 - 20:29

    أحسنت أستاذي الفاضل ،المغرب فيه خير كبير ،فيه كل مقومات الدولة الجميلة والمتقدمة والحضارية ،لو صلحت نية من يهمهم الامر وعملو بجد وبصدق وإخلاص وعزيمة راصخة في خدمة هذا الوطن كل في مجاله ،وكل في تخصصه ،وددت لو نزل هؤلاء من أبراجهم وخدمو شعبهم بحب كخدمتهم لابنائهم وأسرهم لسنة واحدة سنجد فرقا كبيرا وبونا شاسعا في المقارنة بين سنة وأخرى ،وأتمنى أن يتحقق هذا المطلوب والمرغوب من كل مغربي يعيش التهميش والفاقة والإقتار .
    إن ما تعانيه لبفئة الكبيرة في هذا الوطن هو من أولئك الذين لا يشتغلون الا على التقارير ،والتبركيك فقط …بينما هم في مكاتبهم ومزارعهم ،يتكلمون لغة غير لغة وطنهم ،لا بل لا يحبون حتى التحدق في وجوه أبناء جلدتهم ،لانهم لا يطيقون النظر اليهم ،يعتبرونهم متطفلين يزاحمونهم رزقهم ،فهم في نظرهم عبيد في هذه البلاد لا حق لهم في ثراوته ولا في خيراته،هذه مشكلة كبيرة لا يحل بين عشية وضحاها ،فالانسان جبل على حب المزيد ،ولو كنزو كل ما في الدنيا سيقولون هل من مزيد، هل من مزيد.

  • المعطل عن العمل
    الإثنين 17 أكتوبر 2011 - 21:52

    الفاعل مفعولا به، على الأقل فالشرطي أو الدركي أو "المردة" وجد من يتدخل لصالحه بالزبونية أو المحسوبية أو الرشوة حتى ولج هذا السلك العسكري أو ذاك الشبه عسكري، أما نحن، ومنذ حصولنا على شهادة الباكالوريا، سرنا على درب المباريات الشكلية والمتلاعب في نتائجها، حيث إما ينجحوننا في الكتابي ويرسبوننا في الشفوي، وإما يرسبوننا منذ الإختبار الأول للمباراة، وهكذا مرت السنين حتى حصلنا على الماستر، وها نحن ننتظر.
    وللإشارة ليس لدي الإمكانيات المادية سواء للسفر من أجل الإعتصام في العاصمة، أو لمصاريف المباريات من تنبرات وغيرها، كما أنني بدأت مؤخرا في العمل كحمال في الأسواق الأسبوعية، وذلك لغاية الحفاظ على البقاء.
    شعاري: الشغل والسكن والزواج في مقابل التصويت.

  • samir h
    الإثنين 17 أكتوبر 2011 - 22:39

    الاحتجاج من أجل التوظيف حق دستوري لكل انسان مقهور ، و الساكت عن الحق انسان أخرس ..
    أشار صاحب المقال في ثنايا ما كتبه ؛ الى أن هناك قانونا ينظم التظاهرات و قانونا يحمي المتظاهر ان هو التزم بقانون التظاهر ..
    لكن كيف ألتزم بالقانون يا ترى ؟ علما ان من سن القوانين لا يحترمها ؟
    كيف أحترم القانون و حقي مهضوم و كرامتي مدفونة في القبور ..؟
    اذا كان القانون فوق الجميع فعلى الكل أن يخضع لهذا القانون .
    لن نركع أبدا لن نركع لن يرهبنا صوت المدفع

  • عبدالرحمن-المواطن
    الإثنين 17 أكتوبر 2011 - 22:44

    لدي ملاحظات إضافية حول المقال.
    *العنف جزء صميمي من بنية الدولة لذلك فهي تحرص على تدبيره وعقلنته وإضفاء الشرعية عليه عبر القوانين والتشريعات إذ لو وجدت بنيات اجتماعية بدون عنف لاختفت الدولة وحلت محلها الفوضى والأنوميا الإجتماعية.
    *العنف السياسي للدولة يمر عبر قنوات وأجهزة خاصة هي الأجهزة القمعية للدولة مثل الشرطة والجيش والسجون والإصلاحيات والنظام القضائي ومختلف المؤسسات العقابية.
    *عنف الدولة مؤسساتي وهو جزء من استراتيجية أمنية شاملة تخترق خيوطها النسيج المجتمعي ككل مما يهدد أحيانا المشروع الديمقراطي الهش ويقلص هوامش الحريات العامة ويسمح بظهور عقيدة سياسية متطرفة قائمة على تقديس الأمن(=الدولة البوليسية).
    *عنف الدولة ليس دائما مشروعا وإلا لما أمكن رفضه وإدانته.
    *العنف في القطاع الأمني ليس دائما سياسيا بل هو أيضا وليد رواسب تربوية واجتماعية وثقافية(سيكلوجية القهر-البؤس الإجتماعي-العنف في الأسرة والمدرسة والجامع-عنف الكبار-النزعة الذكورية).
    *كلما كانت الدولة قوية ومستقرة وذات مشروعية(دولة الحق والقانون)كلما خفت هواجسها الأمنية واتجهت صوب التنمية وتحسين الحياة والخدمات وصيانة الحقوق.

  • rachid
    الثلاثاء 18 أكتوبر 2011 - 01:20

    إنهم يتركوننا نقتل بعضنا البعض, من أجل ضمان حمايتهم وصيانة مصالحهم.

  • قتيل ساسة الوهم
    الثلاثاء 18 أكتوبر 2011 - 15:23

    …أعتقد سيدي الدكتور اليحياوي انكم اخر من يعلم أن جميع المجندين العسكريين والامنيين في العالم العربي هم من ابناء الطبقات المسحوقة/الفقيرة،وان اية مواجهات امنية تكون دائما بين الشعب المفقر وبين ابناء الفقراء الأمنيين… ويبقى النظام وابناؤه واتباعه وازلامه في عروشهم يتفرجون على الفقراء وهم يتصارعون بالارواح في منظر سوريالي…كان هذا ومايزال منذ اثينا المدينة/الدولة…ولا حاجة لتكرار التوضيح…….

  • salah eddine
    الخميس 20 أكتوبر 2011 - 00:19

    شعار المغرب الجديد هو حرية كرامة عدالة اجتماعية

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة