اللَّهُمَّ فاشْهَد…

اللَّهُمَّ فاشْهَد…
الجمعة 7 أكتوبر 2016 - 23:50

هل التعليم صارَ عِبْئاً على الدولة؟ في هذا السؤال ما يُخْفِي الجواب. فهو ليس سؤالاً إنكارياً، مُتَضَمِّناً للجواب، بل إنَّه تعبير عن مرارة السَّائِل، وما يجري في نفسه من ألمٍ، جرَّاء ما وصل إليه وضع التعليم في المغرب، من سَخَفٍ وزَلَلٍ وإرْهاقٍ:

أموالٌ طائلة صُرِفَتْ في أكثر من مشروع لـ «الإصلاح». لاشيء كان. لا إصلاحَ، ولا تَرْميمَ. نفسُ الشُّروخ والتَّصَدُّعات والأعطاب، بل إنَّ العَطَب اسْتَفْحَل وصارَ وباءً. ونفس من اعْتَرفُوا بِمَوْتِ المريض، هُم من مازالُوا يُشْرِفُون على غيبوبته. أو هُم، بالأحرى، حريصون على تلقينه الشَّهادة، قبل دفْنِه. معلمون وأساتذة فَرُّوا من المدرسةِ، في عملية هُروب كبيرة تشبه فرار السُجناء في فلم الألكاتراز، بعد أنْ أعلنتْ حكومة بنكيران قَهْرَ المُوظَّفِين، بوضعهم في قَفَص الوظيفة، لأكثر من العُمُر الذي عَوَّلُوا عليه، وبأقَلّ كُلْفَةٍ وأقل أجْر، بل إنهُم هم من سيُؤَدُّون ثمن القَرْصَنَة الكبيرة لأموالهم. المَسْرُوق يُؤدِّي عن السَّارق، أو هُو يُسْرق مَرَّتَيْن. مُعادَلَة لا يقبلُها العقل، ولا شيء فيها يدُلُّ على المُروءة، وعِفَّة الرُّوح، ونظافة الذِّمَّة والسَّريرة، لكنها حدثت في عهد حكومة ادَّعَتْ أنَّها ستُحارب الفساد، وستنتصر للفُقَراء والمُعْوِزِين. آخرون، من معلمين وأساتذة وإداريين، اسْتنْفَذُوا سنوات القَهْر، وخَرَجُوا حامِلِين في نفوسهم مراراتِ سنواتٍ من الشَّقاء والكَدِّ، بأجْسامٍ مُتْعَبَةٍ كلِيلَةٍ، دون نتائج ولا فائدَة تُذْكَر. اكْتَظَتْ الأقْسام بالتلاميذ.

أصبحت قاعاتُ الدرس صناديق مُغْلَقَةً، لا يدخلها ضوء ولا هواء. فَوْضَى وتَشَوُّش. المُعلِّم الواحِد يقوم بوظيفة مُعلِّمَيْن، أو أكثر. الباقُون في الأقْفاص، سيقومون بأعْمال الهارِبِين من زُملائِهِم. أقسامٌ تُشْبِه قطارات أيام الأعياد والعُطَل. ووزير التعليم، المسؤول عن القِطاع، يعترف بفشل الوزارة وعجزها عن فِعْل شيء. أمَّا السيد رئيس الوزراء، فهو يُرْغِي ويُزْبِد، لا لأنَّ التعليم يغرق، أو لأنَّه يُفكِّر في حلِّ هذه المُعْضِلَة، والنَّجاة بالقارِب من التَّلاشي في الماء، بل لأن السلطة لَحَسَتْ عقْلَه، وعقول من مَعَه، وصارا لا يَرْغَبُ في الخُروج من مكتبه، ومن الغنائم التي فاءتْ عليه بها رئاستُه للحكومة خلال السنوات الخمس الماضية. ولعلَّ في الدُّموع التي باتَ يَذْرِفُها في مهرجاناته الخطابية، ما يكشف عن سكيزوفرينته، وعن رغبته في اسْتِذْرار عَطْف الناَّخِبين، ليس ببرنامج الحزب، ولا بما أنْجزَه خلال سنوات تولِّيه مسؤولية التَّسْيير والتدبير، التي كانت هزيلةً بكُل المقاييس، وكانت كارثِيَةً، إلى الحد الذي جعل بُسطاء الناس يَصْرُخُون في وَجْهِه، ويُطالِبُون برحيله. فهذا النوع من الهُروب إلى الأمام، و«البُكاء بَيْن يَدَيْ زرْقاء اليمامَة»، بتعبير الشاعر المصري الراحل أمل دُنْقُل، ليس سوى سَخَفِ السِّياسة، وسخَف من تَوَلَّوْها بعد أن خَلَت لهُم الأرضُ. فالسِّياسة، هي شجاعَة ومُروءة والتزام، قبل كُل شيء، وليست نَحِيباً، وبُكاءً على الأطلال، وهي أيضاً مُحاسَبَة. يَكْفِي أن ننظر إلى هذا الوضع الكارِثِيّ الذي وصلت إليه المدرسة، وهذا الفَشَل الذَّريع الذي باءتْ به كُل الإصلاحات، وسُوء تدبير البرامج والمُقرَّرات، وغياب التكوين المُسْتَمِر لنساء ورجال التعليم، والمُراهَنة على الكَمّ، في التدريس، لا على القيمة، وعدم وجُود مناهج ناجعة في التدريس، وخَنْق رُوح المُبادرة عند المُدَرِّسين، في تكييف ما يُدرِّسُونَه، مع ما يقتضيه السِّياق الذي يكونون فيه.. كل هذا وغيره، كافٍ ليجعلنا، كآباء، وأمهات، وأساتذة، ومواطنين، نصرخ في وجه هؤلاء الذي لم يَصُونوا الأمانَة، وأفْسَدُوها، وبدل أن يكونوا الحَلَّ، صاروا المشكلةَ.

فهل يستحق أبناؤنا، من الأجيال القادمة، كل هذا الجُحُود الذي سنُقابِلِهُم به، في مستقبلهم؟ وهذا الهَباء الذي وضَعْناهُم فيه؟ تركْناهُم عُراة في مواجهة العواصف والرِّياح، وادَّعيْنا أنَّنا فعلنا ما كان ينبغي فعله، وأنَّ الأمور تسير على أحسن ما يُرام! هذا نفاق، وكذب، وتدليس. فمن ينظر في برامج الأحزاب، سيُصْدَم بغياب ما يُؤشِّر إلى الرغبة في النهوض بالمدرسة، وإصلاح أعطابها. وكأنَّ الكلام في هذا الموضوع، صار ممنوعاً، وحراماً، وهو ليس من اخْتِصاص من سيتولَّوْن شأن البلاد لخمس سنواتٍ أخرى قادمة. إشارات خجولة، كُتِبَتْ على مَضَض، هنا وهُناك، والباقًي هَذْرٌ، وكلام لا يُسْمِن ولا يُغْنِي من جُوع.

إنَّنا نَسِير نحو الأفُول، بتعبير الصديق نيتشه. وليس في وُسْعِنا، إلا أن نَقول ما كان جاء في حجَّة الوداع، اللَّهُمّ فاشْهَدْ.

‫تعليقات الزوار

9
  • سفيان
    السبت 8 أكتوبر 2016 - 00:18

    فقط لمن يريد المعرفه

    ببحث المجموعات الانسانيه المختلفه فى ضوء ما تقدم, ننتهى الى نوعين أساسيين من المعتقدات. الأول يحض اتباعه على السعى الدائم والمستمر (وفقط) لتغليب ما يحتويه القطب الأول من النظره الكونيه من معارف (العلم) فى كل أمور الحياه. اما النوع الثانى من المعتقدات فهو الذى يرسّخ فى أذهان اتباعه ان هناك عوامل أخرى غير العلم تحدد مصيره (المشيئه الألاهيه على سبيل المثال). وأن لهذه العوامل (والمستحيل الوصول الى كنهها فى نفس الوقت) السياده الكامله والقول الفصل فى كل شئون .الأنسان الحياتيه…

    حسين جوهري

  • محمد بن السيد
    السبت 8 أكتوبر 2016 - 00:49

    "إنَّنا نَسِير نحو الأفُول، بتعبير الصديق نيتشه. وليس في وُسْعِنا، إلا أن نَقول ما كان جاء في حجَّة الوداع، اللَّهُمّ فاشْهَدْ
    ذكرت نيتش بالصديق و إستحييت أن تذكر نبينا محمد صلى الله عليه و سلم الذي قال:" اللَّهُمّ فاشْهَدْ"و هذا يبين أنك واحد ممن طعنوا التعليم المغربي من الخلف تابعين سراب النظريات الفلسفية المقيتة التي لم تنفع حتى أصحابها الذين ظلوا طول حياتهم يبحثون عن الحقيقة تارة و يشككون في ذواتهم و وجودهم تارة أخرى حتى خرجوا من الدنيا بلا شيء فلا الدنيا هنؤوا بعيش رغيد فيها و لا عيش رغيد ينظرهم في الأخرة

  • almohandis
    السبت 8 أكتوبر 2016 - 09:46

    تقييم التعليم يحتاج الى لجنة مكونة من خبراء و حتى أجانب لدراسة سبب الأعطاب و بالتالي وضع الحلول المناسبة فلا يعقل ان جامعات المغرب مغيبة عن التصنيف العالمي و الأمية متفشية اكثر من الدول الفقيرة الافريقية
    لكن شخصيا ارى ان من اكبر الأسباب ان المغاربة يدرسون بلغة ثانية على أساس انها لغة الام فاللغة العربية و اللغة الفرنسية لغات ثانية بالنسبة للمغاربة اذا قارنت هولاندا التي أعيش فيها بالمغرب اجد ان الهولانديين يدرسون بلغتهم الام فهم يتحدثون بها في الشارع و يقرؤون بها في المدرسة و هم يدرسون في الثانوية اكثر من لغة من بينها لغتين إجباريتين الانكليزية و لغة اخرى و الدراسة لهذه اللغات تعتمد على منهج الترجمة المغاربة يكتسبون لغتهم الام في المنزل و الشارع لكن يدرسون الفصحى كلغة ام بينما هم لا يعرفونها و لا يعتمد الترجمة لترجمة معاني الفصحى الى لغتهم الام
    درست العربية لأبناء الجالية و اعتمدت سلسلة بوكماخ لفصاحة لغتها رغم انني لم ادرسها في المغرب لكن لا أتصور ان اطفال المغاربة يفهمون تلك القطع التي كتبت بلغة عربية جميلة في هذه السلسلة في هولاندا مثلا ما يكتب يتحدث به في الشارع

  • احمد
    السبت 8 أكتوبر 2016 - 09:54

    من مقال لصلاح فضل

    (غمْس) القلم في الخلّ، كناية عربية قديمة، يراد بها العدول عن جادّة الصواب، والإسراف الشديد في الجدل، غير المفضي إلى ثمرة، والخروج إلى ما لا ينبغي أن يقال، أو قيل بصورة قاسية، فيها من الفجاجة الشيء الكثير، فإذا أدمت النظر لن تعدم أن تقع على سخرية هنا، واستهزاء هناك، مع خلط الحابل بالنابل، واللجوء إلى الاستطراد، بحيث يترك الكاتب الموضوع الرئيسي، وينشغل بغيره، إلحاحاً منه على إفراغ ما في جعبته من سهام، فهو مصرّ على رميها كلًها، فإن أصاب بعضها، فهذا حسن، وإن انغرست جميعها في جسد المقصود، فهو الأحسن، بل هو المطلوب، وإليه الغاية. وليس ذاك الذي مرّ، من المنهج، والموضوعية في شيء.
    ولعلّ هذا هو الذي صنعه صلاح بوسريف

  • متعلم
    السبت 8 أكتوبر 2016 - 11:03

    الأخ بوسريف: ليس التعليم وحده هو الذي يغرق المغرب كله يغرق والتعليم هو الحجر الثقيل الذي يجره للقاع وقد أريد له ذلك منذ ان خصصت أموال طلائلة للمزيان يجوب القطار ليأتي بالاصلاح وبعد5سنوات ياتي امام اعلى سلطة وبدون خجل ليقول ان الاصلاح فشل ولا يحاسب ولا يعاقب بل وتخصص اموال اخرى من جيوب الشعب المجوع لاصلاح آخر فتسرق ثم تخصص أموال اخرى لبرنامج استعجالي نهب منه كل من جهته وقد عرف الناهبون فلم يحاسبوا وانما نقلوا الى مناصب اخرى وهم يتحسرون على فرص النهب التي ضاعت منهم وقد يستغلها غيرهم .وأما اذا مظرت الى قطاعات اخرى فحدث ولا حرج فكيف لا يأتي الطوفان الذي لا يبقي ولا يذرا.ا.ا.ا..ا

  • عباس
    السبت 8 أكتوبر 2016 - 13:05

    من واقع القراءة العقلانية للاستاد اتوقف امام كلمة هروب كبيرة كنتيجة بحثا عن الرواط العضوية بين مقدماتها كخيار وحسابات فردية ودورها الوظيفي في بناء تمثل متكامل في فهم المتغيرات التي توجه الفعل .هناك تناوب بين الضمير الجمعي والدافع الفردي في التعاطي مع المسالة التربوية….

  • معلقh:-)
    السبت 8 أكتوبر 2016 - 19:52

    التعليم صناعة.ولكل صناعةوفن فاعل.فاعلها هو المعلم .لكن المعلم ليتقن عمله ويؤدي مهنته لا بد ان يعمل ضمن مصنع مناسب يوفر له شروط واسباب ووسائل قيامه بواجبه.وظيفة المعلم تجمع بين التعليم والتربية.ولا يمكن ان تتحقق الاهداف الا اذا كان عدد التلاميذ في مستوى افادتهم.فبقدر اشراك التلميذ في العملية التعليمية التعلمية تعظم الاستفادة .الا ترى كيف تكون حصيلة التعلم في غاية الجودة عند قلة عدد المتعلمين كما في الدروس الخاصة والقسم في الدول الغربية.وجود اقسام بعدد مناسب من التلاميذ يعين الاستاذ على استكمال عمله ويعين التلميذ على الاستفادة والعكس صحيح.نعم المعلم يتحمل مسؤولية فشل التعليم اذا توافرت له شروط عمل جيد اما اذ لم تكن كذلك فالذي يتحمل المسؤولية هو المجتمع ومسؤولوه.ومن الخطا ان نحمل المعلم مسؤولية عمل تعليمي غير مناسب.

  • باحث عن الصداع
    الأحد 9 أكتوبر 2016 - 07:12

    لاصلاح التعليم لابد من برنامج عقلاني يرتكز على أسس مثينة تبتعد عن الخرافة والأساطير ويجب ان نلغي الدين من المدرسة بشًكل كلي والاعتماد على منهجية علمية رصينة وفِي المقابل رد الاعتبار لمادة الفلسفة وكدلك يجب تدريس علم الأحياء التطوري والتركيز على نظرية التطور كأساس علمي لمادة الأحياء جربو هادشي وردو عليا لخبار

  • جميلة
    الأحد 9 أكتوبر 2016 - 20:32

    يجب على الحكومة، قبل ان تصلح التعليم، ان تبدأ بإصلاح عقلية المعلمين والأساتدة، الذين يفتقدون الضمير المهني والكفاءة، ليس لأنهم ماديين، لأن هذا معروف عنهم، لكن الأسوأ من هذا، انهم أصبحوا مجرد شردمة من الكذابين الحاقدين … لذلك فقدنا ثقتنا فيهم، وهانحن اتجهنا للتعليم الخاص رغم تكاليفه الباهضة… سحقا لمعلمين اخر الزمان…
    وشكرا.

صوت وصورة
الحيداوي يغادر سجن الجديدة
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 11:32 2

الحيداوي يغادر سجن الجديدة

صوت وصورة
ملفات هسبريس | ثورة البيتكوين الثانية
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 11:00 1

ملفات هسبريس | ثورة البيتكوين الثانية

صوت وصورة
إفطار رمضاني داخل كنيسة
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 09:31 3

إفطار رمضاني داخل كنيسة

صوت وصورة
حقيقة خلاف زياش ودياز
الإثنين 25 مارس 2024 - 23:58 5

حقيقة خلاف زياش ودياز

صوت وصورة
هشاشة "سوق النور" في سلا
الإثنين 25 مارس 2024 - 23:30 1

هشاشة "سوق النور" في سلا

صوت وصورة
الركراكي والنجاعة الهجومية
الإثنين 25 مارس 2024 - 23:04 2

الركراكي والنجاعة الهجومية