ماذا تبقى من الربيع العربي؟

ماذا تبقى من الربيع العربي؟
الإثنين 8 فبراير 2016 - 15:30

بمتلك هذا السؤال راهنية خاصة، فالربيع العربي جاء ليغير النظم السياسية العربية، ثم جاء يحمل معه تطلعات الشعوب في الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية ثم جاء، وإن بشكل مضمر، لتغيير موزاين القوى السائدة لجهة الإعلاء من السيادة الوطنية.

ليس الجواب عن السؤال هو قياس ما تحقق من هذه التطلعات الحالمة، فالأنظمة السياسية وإن تغير رأسها في بعض البلدان مثل مصر وتونس، فقد بقيت تشتغل تقريبا بنفس الآليات ومراكز القوى التقليدية، فيما بعثرت أجواء اللااستقرار كل الأوراق، فلم يعد من الممكن تقدير متى يستقر الوضع في ليبيا بسبب هيمنة الميليشيات المسلحة على مسرح السياسة هذا رغم الضغط الأممي الذي أفضى إلى اتفاق الفرقاء على إعلان حكومة وفاق وطني، فيما أضحى الأمر شبيها بالمعضلة في سوريا واليمن بسبب تنازع الإرادات الدولية وصراع المحاور لحسم المعركة على الأرض.

إنما الجواب هو رصد اتجاه جبهة الإصلاح في الوطن العربي، وهل أسعفه الربيع العربي وما تلاه من تطورات في التقدم، أم أن تطورات ما أضحى يسمى بخريف الشعوب دفع بهذه الجبهة إلى التراجع لصالح السلطوية والاستبداد.

قبل الربيع العربي، كان الإسلاميون يمثلون المعارضة القوية المزعجة للأنظمة التي لا ترى من حيلة للتعاطي معهم سوى تفصيل العملية الانتخابية ومحاولة البحث عن تحالفات مع القوى الليبرالية واليسارية لإضعاف الإسلاميين، وكانت رؤية صناع القرار السياسي الغربي تتأرجح بين تشجيع التحول السياسي في العالم العربي لكن من غير أن يكون الرابح من هذه العملية هم الإسلاميون، وبين دعم الإسلاميين واعتبارهم مفتاحا للتحول السياسي مع الاحتفاظ بقدر من التخوف من أن يجهزوا على العملية الديمقراطية، أما الإسلاميون، فقد كانت رؤيتهم تتلخص في توسيع هامش المشاركة السياسية لتحقيق تقدم في مسار الإصلاح ولو كان محدودا.

بعد الربيع العربي، اختلفت رؤية الإسلاميين كثيرا، فتنبى بعضهم مفهوم لحظة الحسم التاريخية التي كانت تعني عند بعضهم الإمساك بمراكز القوى في الدولة مخافة الإجهاز على مكتسبات الثورة والارتداد من جديد لتجربة استئصال الإسلاميين، فيما تبنى البعض الآخر- حزب العدالة والتنمية بالمغرب- خيار التوافق التاريخي والمساهمة في الإصلاح من خلال التعاون مع المؤسسة الملكية.

تونس، بعد تجربة حكومتين أمسك فيها الإسلاميون بمراكز القوى في الدولة، انتهى بها الأمر إلى اضطراب سياسي كان ثمن الخروج منه هو تخلي الإسلاميين عن منطقه السابقهم وتبنيهم لمنطق الوفاق التاريخي، والذي جعلهم في الأخير يشاركون بشكل اشبه ما يكون بالرمزي في حكومة قائد السبسي، أما مصر، فقد خسر الإسلاميون كل شيء بعد الانقلاب، وانتهى بهم المطاف بعد خمس سنوات من رفع شعار استعادة الشرعية إلى اضطراب الصف الداخلي.

المحصلة أن السلطوية عادت بشكل أشرس في مصر، في حين تكيفت في الحالة التونسية مع الوضع الجديد، وأعادت إنتاج نفسها، ولعبت مع الإسلاميين في واجهتين: الواجهة الديمقراطية، وواجهة الشارع مستغلة عدم قدرتهم على ضبط الأمن. وانتهى بها المطاف في الأخير إلى تثبيث جذورها، وتأصيل وجودها السياسي، في مقابل تراجع شعبية الإسلاميين وتآكل جزء من مصداقيتهم، بل وتحقيق تقدم نوعي على المستوى القيمي عبر فرض أجندات قيمية شاذة لم يكن للمشهد التونسي يقبل التطبيع معها لما كان الإسلاميون خارج مربع السياسة.

الحالة الوحيدة التي حصل فيها الاستثناء هي المغرب، ليس لأن الإسلاميين نجحوا في إحراز تقدم لفائدة جبهة الإصلاح، ولكن لأن محاولات السلطوية لإعادة إنتاج نفسها فشلت في خطوطها الكبرى رغم محاولات إسقاط التجربة الحكومية لمرتين.

لكن مهما يكن المشهد قاتما بعد الربيع العربي، إلا أن ثمة سمة جديرة بالتأمل في الحالات السابقة جميعها، وهو انتقال السلطوية من الوضع المضمر إلى حالة العلن، فالمؤسسة العسكرية في مصر لم تعد تسير السياسة من خلف مسرح الأحداث كما كان في السابق، والسلطوية في تونس ظهرت لها تشكيلتها السياسية، بل وخرجت للعلن التناقضات المفصلية بين مكوناتها، كما أن حزب التحكم في المغرب لم يعد يدار بنظام الواجهة، وإنما ظهرت رموزه إلى العلن وصارت تتصدر القيادة التنفيذية.

فائدتان يمكن الخلوص إليهما من هذا التحليل، الأولى أن خيار الإصلاح التراكمي نجح في أن يمنع السلطوية من التقدم ومن إعادة إنتاجها لنفسها بشكل جديد، والثانية أن السلطوية تقدمت بسبب سوء تقدير الإسلاميين للمشهد السياسي وتناقضات الوضع الدولي، وإن كانت خسرت من خلال اضطرارها للعب المكشوف في مربع السياسة.

ثمة تقدير يرى أن الربح التكتيكي الذي ربحته السلطوية قد يرتد إلى خسارة بسبب اضطرارها للعب المكشوف في مربع السياسة، لكن في مقابل هذا التقدير الممكن، ثمة واقع يؤكد أن الإصلاح التراكمي نجح مرتين: الأولى في منع تقدم السلطوية، والثانية في إلجائها للخروج للعلن واللعب على المكشوف.

‫تعليقات الزوار

10
  • جبران
    الإثنين 8 فبراير 2016 - 18:47

    الأصح أن يسمى بالخريف العربي لما ترتب عنه من تدميرلإمكانيات الامة وزهق كبير للأرواح ومجا زر ومذابح وزرع للطائفية وتبذير للجهود والرجوع بالعالم العربي القهقرى وتبقى إسرائيل هي الرابحة واطراف كثيرةكانت وراء هذا المشهد المأسوي واصبحيحترق منه حتىمن شارك فيه من الأطراف العربية

  • عزيز
    الإثنين 8 فبراير 2016 - 19:42

    ماذا جنينا من هذا الربيع سوى الخراب وهدم مقومات الأمة حتى أصبحت مرتعا لجميع أنواع الخراب والدمار فإذا أردنا حاكما صالحا كما نزعم ينبغي أن نكون نحن صالحين فالإصلاح لا يكون من فوق لكن ينبغي ان يكون نابعا من القاعدة فكيفما نكون يولى علينا فدعونا من الاوهام الفاغة

  • said
    الإثنين 8 فبراير 2016 - 20:44

    Ce printemps etait vivant quand il etait de tout e monde,il etait un printemps pluriel,un carnaval de lute pour les droits et la dignite'. Mais savez vous pourquoi il est mort ? il est mort parcequ il a ete' arabise' ,
    printemps arabe printemps mort. tout ce qui est arabe ou arabise' meurt.

  • عبد الواحد
    الإثنين 8 فبراير 2016 - 21:06

    الربيع العربي أو الخريف العربي هو من صنع القوى الامبريالية بتعاون مع دول البترودلار ، وتوظيف الدين والطائفية من أجل تمزيق الدول العربية وخاصة المجاورة لإسرائيل وكدا الدول التي لا تتبع التعاليم الغربية الأمريكية، فالربيع العربي ليس إلا مسرحية من اخراج القوى الغربية وتسخيص السدج دوى الفكر السطحي المبني على اليوتوبيا ، وتمويل من دول البترودولار…..

  • ana
    الإثنين 8 فبراير 2016 - 21:07

    إذا كان هناك ربيع عربي فابحث عنه في صحراء الجزيرة العربية وليس على أرض تامازغا.شمال أفريقيا أرض أمازيغية وتسكنه شعو ب أمازيغية منهم من تعرب فأصبحوا أشباه عرب.

  • mohajira31-01-2016
    الإثنين 8 فبراير 2016 - 21:10

    لم يذكر الاستاذ من حزب العدالة ان الخوف من الحاكم الاله والخوف من المخزن هزمه رجال ونساء الربيع لعربي بدماءهم الزكية وان غدا نظره قريب

  • karih_dolme
    الثلاثاء 9 فبراير 2016 - 13:30

    هو إنتفاظة و ليس ربيعا .. له وجهان وجه ثوري تحاول إخماده .. الثورة المضادة . نموذج مصر مثلا ..
    و وجه حراكي مطلبي يحاول إخماده .. الحراك المضاد . نموذج المغرب مثلا .. و أنتم في العدالة و التنمية مع الحراك المضاد للأسف .

  • قارئة
    الثلاثاء 9 فبراير 2016 - 18:51

    اشكر الأستاذ بلال التليدي على تجرده استقلاليته في النقد رغم كونه اسلامية
    ما قاله صحيح وتعليلاته أيضا صحيحة
    ارجو الاستفادة من منهجه في التحليل وتقييم الآراء والمواقف

  • الروحاني
    الثلاثاء 9 فبراير 2016 - 19:02

    أذي الربيع عاد من ثاني … والفجر هلت أنوارو

    من لم يعرف أغنية الربيع لفريد الاطرش فليطلبها …
    الربيع لم يذهب ..ولم ولن ياتي الخريف .. وعلى كل من يعاديه ان يخهز الرحيل
    فبفضل الربيع اصبح بن كيران يبكي ..بعد ان ظن ان الربيع اتاه عليه الخريف
    وبفضل الربيع اطلق صراح صاحب الزفت وتم اللغاء المرسومين …والتقاعد وو
    فهل كنت تحلم بمثل هذه الانجازات ..هيهات هيهات الربيع آت أت..

  • فوزي الصحراوي
    الثلاثاء 9 فبراير 2016 - 22:58

    ان ما اسميته ويسمونه بالربيع العربي؟فهم اسم خاطئ،فتلك الفترة كانت سوداء في العالم العربي/ولازال رمادها وظلامها يعمي العيون في كل ليبيا واليمن ،اما مصر؟فالاسلاميون كمت يحل للبعض ان يسميهم لم يخسروا شيئا،الانفلابون انفسهم يعيشون دوما في الرعب والخوف والترقب،وهم يعلمون حق العلن انهم سيتلقون النصير نفسه الذي سيطروا فيه على الشرعية في مصر،(كما يدين المرأ يدان)وما من يد الا يد الله فوقها،ومن ظالم الا سيبلى بأظلم)القذافي جاء الى حكم ليبيا بانقلاب،كيف خرج من ليبيا؟صدام حكم العراق بانقلاب،كيف خرج من العراق؟عبد الله الصالح كدالك،نظام بن علي في تونس جاء بالتزوير ،انقلاب ابيض،خرج كيف دخل؟نظام الجزائر مسيطرعل الجزائريين بالتزوير ،سيخرج بما دخل،النظام الحالي في تونس جاء بالنزوير سيخرج بما دخل،المغرب عناية الله لازالت ترعاه،وإني اشم رائحة الفوضى تلوح في الأفق،لأت لوبي الفساد ومصاصين دماء النغاربة يظنون ان الوقت صالح لنفث سمومهم من جديد،وسيستغلون ما يسمى بالاساتذة المدربين وسيركبون عليها،لكن اعتد جازنا ان مصيرهم الفشل والهزيمة،(ولايحيق المكر السيء إلا بأهله)صدق الله العظيم،وللحديث بقية

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17

عريضة من أجل نظافة الجديدة

صوت وصورة
"ليديك" تثير غضب العمال
الخميس 18 أبريل 2024 - 11:55

"ليديك" تثير غضب العمال

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32

احتجاج أرباب محلات لافاج