من سيدافع عن الحصيلة الحكومية؟

من سيدافع عن الحصيلة الحكومية؟
الأربعاء 2 نونبر 2011 - 00:55

على مشارف الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها، يُفترض أن تكون الانتخابات البرلمانية محطة سياسية لتقييم أداء الحكومة منتهية الصلاحية ومراقبة مدى التزامها بما وعدت به، وبالتالي يتعين أن تكون مناسبة لإدلاء المواطن بموقفه السياسي من أداء الحكومة عبر التصويت لفائدة أحزاب الأغلبية الحكومية أو لمعاقبتها عبر التصويت للمعارضة، وهذه الآلية تعتبر أرقى أشكال التعبير الديمقراطي.

لكن المغرب يشهد في واقع الأمر وضعا غريبا لا يمكن معه تصنيف الأحزاب لتمكين المواطن من اتخاذ الموقف الانتخابي بشأنها، بل إن الحكومة نفسها يصعب تصنيفها أو تصنيف مكوناتها الأساسية لاتخاذ موقف سياسي وانتخابي واضح.

فالخريطة الحزبية بالمغرب أصبحت عائمة ولا يبدو منها شيئا واضحا ولا توجها سياسيا جليا، والتحالفات الحزبية تضم الأغلبية والمعارضة على حد سواء بشكل مختلط، والحكومة منقسمة على نفسها بين مكونات متناقضة تعارض بعضها البعض، فمن نفذ أصلا البرنامج الحكومي حتى يُحاسب من قبل الناخبين؟ وهل كانت هذه الحكومة تتصرف في الأصل كمؤسسة دستورية متضامنة لها برنامج محدد حتى تنفذه؟

إن هذه الإشكالات تثير تساؤلات عريضة حول حصيلة الحكومة الحالية التي تم تشكيلها سنة 2007، كما تثير الغموض الشديد بخصوص مسؤولية أطرافها الحزبية والسياسية عن للوضع الكارثي الذي عيشه المغرب اقتصاديا وماليا وإلى فشل كبير على المستوى التدبيري والتنموي.

وبالرجوع إلى لحظة تعيين حكومة عباس الفاسي وتقديمه للبرنامج الحكومي أمام البرلمان، كان يبدو جليا أن الجميع كان يتعامل مع الحكومة باعتبارها مجموعات متنافرة من المكونات الحزبية التي لا يمكن أن تتفق على برنامج واحد، والفاعلون السياسيون كانوا يركزون على طريقة تشكيل الحكومة وطرق اشتغالها والمتدخلين في مهامها واختصاصاتها أكثر مما كانوا يهتمون بما تتعهد به هذه الحكومة أو بما ستفعله بالمغرب.

فعباس الفاسي قدم في برنامجه الحكومي إجراءات كبرى واعدة، وتحدث عن برامج استراتيجية تهم القطاعات الواعدة للحكومة، وكأنه كان يتحدث عن وزارات بعينها ولا يتحدث عن الحكومة كمؤسسة دستورية متكاملة المحاور والبرامج.

والتصريح الحكومي تطرق لكل شيء ولم يتضمن أي شيء، فالحكومة تعهدت برفع مستوى عيش السكان وبالقضاء على البطالة وبتحقيق العدالة الاجتماعية، لكنه لم يتحدث عن أية مؤشرات فعلية، وبقي العمل الحكومي هلامي وغير محدد المعالم والأهداف.

كما تعهد باستكمال الأوراش الكبرى المفتوحة وكأن المغرب كان يعرف بالفعل أوراشا اقتصادية واجتماعية وتنموية كبرى بدأتها الحكومة السابقة ببرنامجها الحكومي، في حين أن الفاعل الوحيد في هذا الصدد كان المؤسسة الملكية التي وقفت على المشاريع الكبرى من قبيل الميناء المتوسطي وتقوية الطرق السيارة والمغرب الأخضر والأزرق والأصفر والمغرب الرقمي ومغرب تصدير…

فهل برمجت الحكومة أصلا هذه المخططات حتى تستكمل إنجازها؟

وكيف يعقل أن يتم التركيز على بعض القطاعات الوزارية دون أخرى، خاصة وأن التجاذبات بين أطراف الحكومة بادية للعيان؟

فبقراءة سريعة للعمل الحكومي بشكله الحاليين تبين التناقض بين الوزراء حسب انتمائهم السياسي، فوزراء التجمع الوطني للأحرار يشتغلون وكأنهم في حكومة أخرى يرأسها الأصالة والمعاصرة وأحزاب الجي 8 تعارض حكومة عباس الفاسي في شقها المتعلق بوزراء الكتلة الديمقراطية، وأخطر قطاع وزاري (وزارة التربية الوطنية وتكوين الأطر والتعليم العالي والبحث العلمي) بيد حزب البام وهو الحزب المعارض لحكومة عباس الفاسي !!؟.

فهذا الخليط السياسي المتناقض أوصل المغرب إلى الحضيض في أداء مؤسساته الدستورية وفي علاقاتها ببعضها البعض، لأن غموض الوضع وخليط المتناقضات داخل الحكومة يربك العمل البرلماني نفسه، ولم تعد عدد من الفرق البرلمانية تعرف هل هي في الأغلبية أم في المعارضة أم في الاثنين معا.

فوزير المالية الذي يشتغل نظريا تحت إمرة عباس الفاسي يتصرف وكأنه يرأس حكومة أخرى، وأحزاب الكتلة الديمقراطية تعارض وزراء الأحرار والبام، والأصالة والمعاصرة في المعارضة رغم أنه بدأ عضوا في الحكومة ولا يزال اخشيشن وزيرا فيها وهو قيادي في هذا الحزب، فمن سيدافع عن حصيلة الحكومة، بل عن حصيلة أية حكومة سيدافع الوزراء، وهذه الأحزاب كيف ستتعامل مع حصيلة الأداء الحكومي وهي لا تعلم أصلا من يمثل الأغلبية ومن يمثل المعارضة.

وعندما يصرح رئيس التجمع الوطني للأحرار بأنه سيضمن للمغاربة نسبة نمو لا تقل عن 6% وسيخلق أزيد من 200 ألف منصب شغل سنويا… فإننا نتساءل أين كان خلال الأربع سنوات الماضية ولماذا لم يعمل على تحقيق ذلك من داخل الحكومة الحالية؟ علما أن ما كان يفلح فيه هو إثقال كاهل مالية الدولة بالقروض الأجنبية ولم يعمل إلا على تعميق الأزمة المالية والاقتصادية وعلى ضرب أسس الاقتصاد الحقيقي وإدخال المغرب في متاهات الاقتصاد الافتراضي غير واضح المعالم.

وعندما نطلع على البرامج الانتخابية لأحزاب الأغلبية الحكومية فإننا نجد نفس الالتزامات تقريبا، وكأنهم متفقون على هذه الأهداف، فلماذا لم يعملوا خلال السنوات الماضية على تحقيق هذه التنمية المنشودة وقد كانت لديهم نفس الحكومة ونفس الأحزاب ونفس قوانين المالية.

فأحزاب الأغلبية الحكومية الحالية التي أوصلت المغرب إلى هذه الأزمة المالية والاقتصادية غير المسبوقة تتعامل مع المواطن وكأنها ولدت اليوم ولم تكن في السابق مسؤولة عن تدبير الشأن العام، وتتصرف وكأن المغاربة بدون ذاكرة حتى ينسوا متاهات الأزمة الخانقة التي يوجد عليها الاقتصاد الوطني.

إن الوضع السياسي المغربي اليوم يوجد في وضعية ضبابية مطلقة، بعض أحزاب الأغلبية الحكومية تعارض الحكومة، وحزب من المعارضة الوهمية ممثلا في البام يتحكم في نصف عدد الوزراء بالحكومة، وأحزاب من المعارضة تتكتل مع أحزاب من الحكومة لمعارضة أحزاب أخرى من نفس الحكومة، ووزراء يعرضون حصيلة وزارتهم وكأنهم كانوا يسيرون جماعة قروية معزولة عن باقي الجماعات.

فمن سيدافع عن حصيلة الحكومة كمؤسسة دستورية؟

وهل كانت لدينا أصلا حكومة واحدة منسجمة تتعامل بصفتها مؤسسة دستورية ببرنامج واحد حتى تقدم حصيلة عملها وتدافع عن تجربتها؟

*دكتور في القانون
متخصص في العلوم الإدارية والمالية العامة
[email protected]

‫تعليقات الزوار

7
  • licencié
    الأربعاء 2 نونبر 2011 - 08:58

    L e gouvernement de A BAS ELFASSI est le seul gouvernement tres faible depuis l indepandance du maroc on vois la crise par tout,cela nous montre que ABASS n est pas qualifié d etre chef de gouvernemet l homme est toujours fatigué ,malade.le maroc a besoin d un homme qui va sortir le pays dans sa crise economique social pas un homme malade comme ELFASSI.

  • مصطفى زيان
    الأربعاء 2 نونبر 2011 - 11:14

    كلامك في الصميم، جميع الأحزاب الموجودة في الحكومة أخفقت وفاقد الشيء لا يعطيه.
    على المغاربة أن لا ينسوا الماضي ويراجعوا أرشيف عمل الحكومة، إنه فاشل بشكل كبير؟؟؟

  • عروج
    الأربعاء 2 نونبر 2011 - 12:57

    يا أخي عن اي حصيلة سنتحدث , انها حصلة المغاربة في هذه الحكومة .على مستوى التشغيل, الاسبقية لافراد العائلة والمقربين .على المستوى الاجتماعي تدني مستوى التنمية البشرية من رعاية صحية وتعليم ودخل فردي, ارتفاع غير مسبوق للاسعار…لنا الامل بعد الله في هذا الملك الشاب للنهوض باوضاع المغاربة كافة, اما هؤلاء السياسيون فهمهم الوحيد خدمة مصالحهم الخاصة ومصالح الزمرة المحيطة بهم.

  • مواطن شريف من مراكش
    الأربعاء 2 نونبر 2011 - 13:34

    صدق من قال :إذا كنت في المغرب فلا تستغرب.بالفعل،الله في عون المواطن الذي تشكل عليه الأمروأصبح تائها أمام هذا الوضع الكارثي ل*هاتين المؤسستين*الحكومةا لتي ليست بحكومة منسجمة ومسؤولة وإنما مزيج من المتناقضات والتلاعبات والبرلمان الذي هو الآخر ليس ببرلمان وإنما هو قبة للنائمين الذين يكلفون أنفسهم عناء الحضوروهم قلة بينما الأغلبية منهم في غياب متواصل متفرغين لقضاء مصالحهم الشخصية.يالها من سفالة ويالها من مهزلة.
    لذلك،لانستغرب أبدا إذا اختار المغاربة الشرفاء والواعون أن يقاطعوا هذه الانتخابات ولا نستغرب أيضا إذا اختار الآخرون منهم أن بشاركوا ويصوتوا لكن ب*لا* وألف*لا* لتجار وسماسرة الانتخابات الذين احترفوا النفاق السياسي والاجتماعي وماتت ضمائرهم وأخلاقهم.

  • المختار: الحصيلة"صفرية"
    الخميس 3 نونبر 2011 - 13:24

    الحصيلة يا دكتور هي جلية حتى للضرير،ولأنها هزيلة فلن يتجرا أحدهم للخوض فيها، فهي قنبلة موقوتة ولو كنا نعيش في غير المغرب لكانت الحكومة خارج الحكم، لكن ونحن هاهنا حيث الوزير لا يخجل أن يقال عنه علنا "لص" و يجابه بالصفير ويطلب منه الرحيل ولا يرحل ، وتجده بدون حياء ولا خجل يعود الى نفس الدواوير والأحياء والمدن ليعيد إلقاء أزليته على الناس الذين يتحلقون حوله بل منهم من يصفق ويطبل ، فكيف تود من حزب أن يعري ويفضح نفسه بوضع لا حصيلة للنقاش والناس في نسيانهم يعمهون ؟ وهذا الوزير الأول يرجع بنا إلى الماضي الذي ظننا وأده ليخبرنا بالنغمة القديمة" الملك هو الضمان لنزاهة الانتخابات" فكيف هذا ؟ربما من حيث شخص الملك وترفعه على التدخل في سير الانتخابات هو صادق لكن ماذا عن أباطرته هو المستنفدين في كل ميدان المستعدين للعبث بكل شيء من أجل أن تبقى دار لقمان على حالها؟ قطعا من يفكر بهذا الأسلوب هو لا يريد من يناقشه أو يعاتبه أو يحاسبه و رميه بالكرة في ساحة الملك قد تكلفه الكثير سياسيا خاصة أن الحصيلة هي معدومة النتاج وقطعا الملك بما عرف عليه من فطنة ونزاهة لن يسكت عن الحصيلة الصفرية.

  • Mohcin
    الخميس 3 نونبر 2011 - 13:55

    Ce Mezouar est nul et ne peut qu'agraver la crise, pire lorsqu'il devient 1er ministre

  • ام سناء من تنغير
    الخميس 3 نونبر 2011 - 15:17

    السلام عليكم ورحمة الله تعالى اولا : لايجب ان ننسى ما قدمته هذه الحكومة المشكورة من تشغيل لعدد كبير من حاملي الشهادات وبعض الزيادة في الاجور واخراج حذف السلاليم الى حيز الوجود كل هذا في عهد هذه الحكومة المشكورة وانا من المستفيدين من حذف هذه السلاليم وانا شخصيا أقدم لها الشكر من هذا المنبر وأتمنى من الحكومة القادمة ان شاء الله ان تخرج مرسوم بيع العقارات المملوكة للدولة لمن يشغلها من الموظفين الى حيز التطبيق في القريب العجل. وشكرا هسبريس.

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج