من يضع العربة أمام الحصان؟

من يضع العربة أمام الحصان؟
الجمعة 30 نونبر 2018 - 14:45

تطبيع العلاقات المغربية الجزائرية…من يضع العربة أمام الحصان؟

يبدو أن المبادرة المغربية لم تلق آذانا صاغية من طرف صناع القرار بالجارة الشرقية، فبعد فترة من الصمت المطبق تفتقت عبقرية إحدى الجهات من داخل النظام الجزائري عن الدعوة إلى قمة مغاربية على مستوى وزراء الخارجية في أقرب الآجال؛ وهو ما اعتبر في نظر المراقبين التفافا على الدعوة المغربية المباشرة للدخول في حوار صريح وغير مشروط. فلماذا أحجمت الجزائر عن التجاوب المباشر والعملي مع المبادرة المغربية، رغم توالي التصريحات الإقليميــــة والدولية التي أشادت بالموقف البناء والإيجابي للمملكة المغربية؟.

من حيث المضمون، أعتقد أن السبب الرئيسي في هذا التوجه يكمن في العقيدة الإيديولوجية التي مازالت تطبع النظام الجزائري، وهي عقلية تحلل الأمور وفق نظرية المؤامرة؛ فعوض التعاطي الإيجابي مع المقترح، اعتقدت أن المغرب سعى من وراء المبادرة إلى أن يضعها قي موقف حرج مع الداخل الجزائري والمنتظم الدولي، ليظهر بصورة الجار الذي يتصف بالحكمة وروح المبادرة، والذي يضع مستقبل المنطقة فوق كل اعتبار.

من حيث الشكل، ربما جاءت آلية الدعوة المغربية وسياقها العام، كما أشارت إليه بعض الصحف الجزائرية الموالية للنظام، ذريعة أخرى للتلكؤ في التجاوب مع المبادرة، ومحاولة الالتفاف حولها؛ فهي كما تم تسريب ذلك من داخل مراكز القرار جاءت في سياق احتفال الشعب المغربي بذكرى المسيرة الخضراء، والتي تشكل العقدة التاريخية للنظام الجزائري في علاقته مع الجارة الغربية، كما تم اعتبار أن الخطاب الذي حمل في طياته الدعوة إلى الحوار لا يشكل آلية رسمية للتواصل، وأن الجهات الرسمية لم تتوصل بأي مراسلة في الموضوع.

وبالموازاة مع تعقيدات الشكل والمضمون، هناك سبب جوهري يتعلق برهانات المرحلة الراهنة داخل الجزائر، وحول من يمسك فعلا بزمام الأمور، في ظل مرض “الرئيس”، وإشكاليات خلافته. أعتقد أن التيارات التي تتجاذب محاولات السيطرة على مقاليد الحكم، خاصة من داخل السلطة العسكرية، يصعب عليها أن تقرر في ملف شائك، وذي أهمية إستراتيجية. وفي هذا السياق، فالمبادرة المغربية لإجراء حوار صريح ربما تهدف بشكل ضمني إلى سد الطريق أمام تهور بعض الجهات من داخل السلطة العسكرية للزج بالنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية إلى ما لا تحمد عقباه.

يبدو أن المغرب تبنى إستراتيجية واضحة للتعامل مع المشاكل الإقليمية التي بات النظام الجزائري ينتجها، وهي إستراتيجية تهدف إلى تجاوز مرحلة التغاضي عن الأخطاء والمجاملات الدبلوماسية الذي طبع مراحل سابقة، وألا مجال الآن لتبقى العلاقة في المنطقة الرمادية؛ فإما أن ندخل في حوار صريح ومباشر، للتفاوض بشأن مستقبل العلاقات الثنائية وحسن الجوار، ومن بعدها بناء المنظومة المغاربية، وإما أن تتضح الصورة الكاملة للمنتظم الدولي، وأن الجارين الشقيقين يعيشان أزمة دبلوماسية حقيقية، وحالة العداء والتوتر وصلت إلى حد أصبحت معه مصدر تهديد لأمن المنطقة المغاربية والأوربية واستقرارها.

من خلال دراسة الخيارين، وعلاقتهما بالموقف الأخير للدبلوماسية الجزائرية، أعتقد أن الأمور ستتجه حتما نحو الخيار الثاني، أي مزيد من التعقيد والتوتر. وربما سيعمل المغرب على تقديم الدلائل والحجج الدامغة بأن الجزائر هي الطرف الرئيسي والفاعل في نزاع الصحراء، وبأنها تمارس بالفعل، وعلى الأرض، أعمالا عدائية ضد وحدته الترابية. وهنا سيقودنا الحديث إلى المباحثات المرتقبة بجنيف، فالمملكة قد لن تقبل بممارسة النفاق السياسي، والمجاملات الدبلوماسية، حين تحضر الجزائر هذه المباحثات كطرف ملاحظ فقط.

الآن، وقد جدد المغرب مطالبته بحوار رسمي، وعبر ما كانت تصفه بعض الصحف الجزائرية بأنه “قنوات دبلوماسية رسمية”، فكيف سيكون الرد الرسمي الجزائري؟ من المؤكد أن النظام سيتشبث بالدعوة إلى عقد قمة مغاربية كوسيلة من أجل الالتفاف على المبادرة المغربية، وتجنب المزيد من الإحراج الدولي، بعد توالي الإشادات الدولية بهذه المبادرة. هنا يجب التأكيد على أن لا أحد يمكنه أن يزايد على العمق التاريخي والسياسي الذي يمثله الاتحاد المغاربي لدى المغاربة قيادة وشعبا؛ لكن الدبلوماسية المغربية، وبمنظورها البراغماتي الذي تفرضه رهانات المرحلة، ارتأت أن تدخل في مفاوضات مباشرة مع الجزائر لرأب الصدع في العلاقات الثنائية أولا، والتي تشكل حجرة الزاوية لنجاح المشروع المغاربي كمرحلة ثانية.

نستطيع التأكيد أن المغرب، من خلال مبادرته للحوار المباشر والصريح مع الجزائر، قد وضع الحصان أمام العربة للدفع بالعلاقات الثنائية نحو الأمام. وعندما انتظر الجميع رد الفعل الإيجابي من الطرف الآخر من أجل تحريك العربة، قرر صناع القرار من داخل الجزائر، إعادة وضع العربة أمام الحصان، ما يعني عمليا أن العلاقات الثنائية ستعرف المزيد من الجمود، واستمرار مرحلة اللاحرب واللاسلم بين الجارين. فهل سننتظر إلى أن ينتهي الجيل الحالي من حكام الجزائر لتجاوز خلافات الماضي والحاضر، كما صرح ذات يوم وزير الخارجية الفرنسي الأسبق السيد برنارد كوشنير في معرض حديثه عن العلاقات الجزائرية الفرنسية … فانتظروا إني معكم من المنتظرين…

*أستاذ باحث .جامعة القاضي عياض، مراكش.

[email protected]

‫تعليقات الزوار

9
  • Peace
    الجمعة 30 نونبر 2018 - 16:18

    هناك عقدة اخرى غير معلن عنها صراحة و هي ان جلالة الملك حفظه الله يتمتع بصحة جيدة و يدعوهم للحوار في ذكرى المسيرة الخضراء، و ما لها من دلالات بمبدعها و هو الحسن الثاني, و كانه قام من قبره, بينما هم بدون رئيس, لانه مات رحمه الله و لا يستطعون الاعلان عن ذلك, خوفا من عدم الاستقرار و الصراع على لسلطة, في ضل الاوضاع الاقتصادية المتردية للجزائر و غضب الشعب, فيمكن ان يعتبروا الاستجابة للحوار مع ملك المغرب بصفته اميرا للمؤمنين, خيانة لروح بوتفليقة.

  • عنق الزجاجة .
    الجمعة 30 نونبر 2018 - 16:21

    الجزائر أمام معضلتين كبيرتين تخافهما أكثر من خوفها المغرب . الرئيس المريض وصمام الآمان إلى حين ، في ظل غياب الخلف القادر على استعاب كل أطياف الشعب . وشعب منطقة القبايل الذي يهدد بالانفصال ويمتلك من الآليات ما يمكنه منه ، سكان بالملايين ، وحاضنة عريضة ، دون اللجوء للإستعانة بلآخر الأجنبي ، واقتصاد قادر على الحياة بعيدا عن المركز . وهو انفصال حقيقي ورغبة داخلية لا تذكيها أيادي خارجية ولاتحتاج إلا لفرصة يمنحها التاريخ ( انشغال الدولة بمحاربة داعش أو موت الرئيس ) لتبرز على أرض الواقع أمرا محتوما لامحيد عليه .

  • Étudiant RI
    الجمعة 30 نونبر 2018 - 23:51

    Bonjour.
    Je crois que le problème dans la région du grand Maghreb réside dans le fait que les généraux algériens cherchent la légitimité et la raison d'être via la durabilité de ce problème du Sahara avec le Maroc.
    Merci pour M.Kachradi pour cette analyse profonde qui dévoile clairement les enjeux géopolitiques dans cette zone très sensible.
    Merci Hespress.

  • االهواري
    السبت 1 دجنبر 2018 - 10:03

    ا لسلام عليكم المغرب يظن ان الجزاءر مثل اسبانيا يوم كان الملك الاسباني طريح الفراش ويحتضر استغلت المغرب ذلك وقامت بمسيرة العدوان والاحتلال للشعب الصحراوي وتريد ان تعيدها مع الجزاءر مع مرض بوتفليقة وبمناسبة مسيرة الاحتلال والعدوان لكن هيهات الجزاءءر ليست اسبانيا وهي ليست مستعجلة نفكر ونخمن وناخذ كل وقتنا ونراعي مصالحنا اولا وبعد التشاور سوف نرد حسب قراءتنا للحوار ووالصلح بين الاشقاء

  • متتبع
    السبت 1 دجنبر 2018 - 11:13

    أعتقد أن النقطة الأبرز هي كيف سيستطيع المغرب ان يتبث للرأي العام الدولي أن الجزائر طرف رئيسي في النزاع، وأن الأمم المتحدة قد أخطات فعلا في إجلاس الجزائر كطرف مراقب.
    ننتظر المزيد من الحزم في قرار الخارجية، وأتمنى أن يكون الكاتب محقا عندما تحدث عن استراتيجية الدبلوماسية المغربية خاصة في الشق الثاني.
    شكرا هيسبريس على النشر وعلى إدراج مواضيع هادفة.

  • Peace
    السبت 1 دجنبر 2018 - 11:23

    الى 4 – االهواري

    جنرالات الجزائر و موريتانيا و البوليساريو هم انفصاليون كلهم, و مستعمرين ومتعاونين مع الاستعمار, بما انك تقارن الجزائر باسبانيا- فرانكو الديكتاتوري و بان الاحداث و التاريخ يعيد نفسه. لذلك هم لا يريدون اي حوار مع المغرب, لان الرعب دخل قلوبهم. لان السحر انقلب على الساحر. حالة تثير الشفقة فعلا.

  • العبقري
    السبت 1 دجنبر 2018 - 11:39

    نحن في الجزائر لم نفهم
    لما الجزائر لم ترد لماذا هذا الاصرار؟
    كل المعلقين المغاربة لما يخوضو في هذا الموضوع تجد هم يتحدثون عن فتح الحدود و كأن هذا الامر بهذه السهولة.
    لا أحد من المعلقين يذكر التصعيد الإعلامي المغربي على الجزائر خلال الفترة الماضية

  • حاتم الطائي
    السبت 1 دجنبر 2018 - 12:03

    إلى 6 – Peace
    لا جنرلات و لا هم يحزنون
    أجزم لك أن الجزائر لم ترد و لن ترد.
    دبلوماسية الجزائر معروفة عالميا وهم يعرفون حتى كيف يفكر المغرب
    المهم الان الاستعداد بحسن نية للمفاوضات بينكم و بين الصحراويين ووالله نحن في الجزائر لا نريد أكثر من تطبيق ما سيتفق عليه الطرفان المغربي و الصحراوي حتى على و إن كان ذلك على ظهر الجزائر بشرط تكون موثقة من الامم المتحدة.

  • Etudiant
    السبت 1 دجنبر 2018 - 19:53

    أعتقد أن أكبر متضرر من سياسة الجنرالات هم الجزائريون أنفسهم. والذين يكتبون تعاليق حول المقال لا أظنهم من الشعب الجزائري.
    المغرب يطلب الحوار، ولا حل سوى الحوار…..

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 6

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 5

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال