موقف الحسن الثاني من البهائية

موقف الحسن الثاني من البهائية
الإثنين 4 دجنبر 2017 - 16:28

إذا كان تصدير الدستور في عهد الملك الراحل الحسن الثاني يقضي بأن “المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة…”، والفصل السادس منه يؤكد أن “الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية”، فإن الحسن الثاني يؤكد قائلا: “أردنا بذلك أن نوضح أن المغرب كدولة إسلامية وفي لفكرة الإسلام الصحيح، ويضمن حرية ممارسة الشعائر الدينية. ومن المؤكد أن الديانة اليهودية يمكن ممارستها بكل حرية، وكذا الشأن في ما يخص الديانة المسيحية، لأنها ديانات أهل الكتاب يقرها الإسلام ويفرض الإيمان بأنبيائها..”.

ويضيف الملك الراحل: “وهذا لا يعني أن المغرب سيرضى بإقامة شعائر البهائيين وغيرهم في الساحات العمومية”.

إن المغرب دولة إسلامية متسامحة مع ديانات أهل الكتاب المنزلة الذين يؤمنون بوحدانية الله.

وبالفعل فقد أثيرت بالمغرب سنة 1962 “قضية البهائيين”، وصدرت ثلاثة أحكام بالإعدام على ثلاثة أعضاء منهم على اعتبار أنهم مرتدين عن الدين الإسلامي. واعتبر أمير المؤمنين هذه الأحكام ابتدائية قابلة للاستئناف لأنها ليست نهائية. ورفعا لأي لبس حول تناقض خطاب المغرب حول المسألة الدينية قال الحسن الثاني: “…إذ تضمن ملكيتنا حرية الأديان فإنها تؤمن بحرية الأديان الحقيقية كالإسلام والمسيحية واليهودية؛ وفيما يتصل بالبهائية فإنها ليست دينا ولا طريقة، ولكنها شيء آخر، إنها انحراف مناف للنظام العام وللآداب، وشأنها شأن الترخيص لأي كان بالتجول عاريا”.

إن موقف الملك من هذه النازلة كان قاطعا، فهو يوافق شخصيا على الحكم ويضيف: “ولو طلب مني بعد الإجراءات القضائية أن أمارس حق العفو الذي أتوفر عليه فإنني أكاد أن أكون على يقين من منح هذا العفو. ومع هذا فأنني أريد إدانة هؤلاء المتهمين”.

ومن تداعيات هذه القضية أنها أثارت ردود فعل دولية حول مدى مصداقية تشبث المغرب باحترام حقوق الإنسان ومنها “حرية المعتقد”، إذ طلب السيد “ميشيل بلوم”، رئيس الجامعة الدولية لحقوق الإنسان، آنذاك، من السيد “ليوبولد سيدار سنغفور”، عضو أكاديمية المملكة المغربية، “التدخل لدى الحسن الثاني لصالح البهائيين الذين يضطهدون في المغرب، فأوضح السيد “ليوبولد” أنه لا يوجد في المغرب ميز عنصري ولا ميز ديني”، بل إن القضية مجرد دفاع أمير المؤمنين عن الانحرافات الماسة أولا بالدين الإسلامي وثانيا بالأخلاق العامة.

أما ردود الفعل الوطنية فنسوق في إطارها موقف حزب الاستقلال، إذ كتب السيد “أحمد بن كيران” في صحيفة “ليفار”: “الحكم الذي صدر في مدينة الناظور قضى على عمل جماعة من التائهين الذين اعتنقوا مذهبا مشركا بالله يخالف الأديان السماوية…”. لكن السيد “أحمد رضا اجديرة” وصف هذه الأحكام بالقاسية، وبأنها لا تتلاءم والتسامح الديني في المغرب.

أما وقائع “قضية البهائيين” فتتلخص في أنه سنة 1962 أخبر عن وجود نشاط لعناصر من البهائيين في شمال البلاد بمدينة الناظور يدعون لمذهب البهائية، “وهو دين ظهر بإيران، ويدعي بأنه يعتنق كل الأديان السماوية”. وقد حمل السيد “علال الفاسي” الذي كان يشغل آنذاك منصب وزير الشؤون الإسلامية القضية أمام المحاكم، إذ تم اعتقال أربعة عشر بهائيا بتهمة إفساد الشباب وتكوين جمعية من الأشرار والمس بالإسلام والأمن العام.

وهكذا صدرت الأحكام التي تراوحت بين الإعدام والسجن مدى الحياة، إذ تم الحكم على مغربيين وسوري بالإعدام، وخمسة مغاربة بالسجن مدى الحياة وفرد واحد بالسجن لمدة 15 سنة.

المراجع:

1- الفصل 06 من دستور 1996 وهو لم يتغير منذ دستور 1962 لأنه من الفصول التي لا يطالها التغيير إلا أنه مع دستور 2011 انتقل ترتيبه في الهندسة الدستورية الجديدة إلى الفصل 03.

2 – هناك حالة فردية تتعلق باعتناق الطالب “مصطفى الزمامدة” للمسيحية عبر دروس يبثها را ديو “مونتي كارلو”، وذلك بأمل الاشتغال بالخارج، وهو ما اعتبر ردة عن الإسلام من طرف المحكمة التي مثل أمامها، وبرفضه التراجع عن دينه الجديد حكم عليه بثلاث سنوات سجنا:

Voir : Setephen Ormasmey Haghes / Le Maroc de Hassan II

3 – الحسن الثاني: خطب وندوات / الجزء الثاني (1961-1965) / المطبعة الملكية –– الرباط

4- ليوبولد سيدار سنغفور : الحسن الثاني الرجل المثقف/ جمع وتأليف الدكتور عبد الحق المريني .

5 – ليفار : عدد 75 و76 بتاريخ 22 و29 دجنبر Maroc information 1962

عن عبد الرحيم الورديغي : أحمد رضا اجديرة / زعيم الحركة الليبرالية المغربية – / مطابع أمبريال .

*أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بكلية الحقوق – جامعة الحسن الأول بسطات

‫تعليقات الزوار

8
  • mourad
    الإثنين 4 دجنبر 2017 - 17:28

    لم ينفذ حكم الإعدام في البهائيين بسبب صدور العفو الملكي عنهم، وذلك بفضل الضغط الدولي على المغرب، حيث أثارت الصحافة في أمريكا هذا الموضوع أمام الملك الحسن الثاني أثناء زيارة له لأمريكا، فوعد بإصدار العفو. وموقف الحسن الثاني الذي أورده الكاتب كان متناقضا ومتذبذبا، يقر بحرية الاعتقاد ويستثني الديانات الأخرى غير الديانات الثلاث، وفي نفس الوقت لا يقبل أن يظهر مسيحيون مغاربة، فحرية الاعتقاد في المرجعية الحقوقية الدولية هو حق كل واحد في ممارسة شعائر أي دين يعتقد فيه، ولا يمكن لأحد أن يعتبر ذلك الاعتقاد "انحرافا" أو "ضلالا" لأنه لا يوجد معيار منطقي أو علمي محايد لمعرفة الدين الصحيح من غير الصحيح، بل كل الديانات صحيحة عند المؤمنين بها، وعلى الناس احترام بعضهم البعض، والحكم على دين من منطلق دين آخر ليس معيارا بل هو عنصرية واضحة، ولهذا تراجع الحسن الثاني عن حكم الإعدام وأطلق سراح البهائيين بعد مدة، والذين كانوا ضحية تحريض خطير من حزب محافظ هو حزب الاستقلال وزعيمه علال الفاسي.

  • أطــ ريــفــي ــلــس
    الإثنين 4 دجنبر 2017 - 18:35

    يقول القرآن:
    "قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد"

  • طالب جامعي
    الإثنين 4 دجنبر 2017 - 19:42

    نشكرك استاذنا الفاضل على علمك النافع, تحية تقدير واجلال لك.
    ان الديانات السماوية الثلاث الاسلامية واليهودية والمسيحية تتعايش جنبا إلى جنب في ود ووئام، والمغرب كما يعلم العالم، يعتبر ك"نموذج للتعايش والتسامح" بين مختلف الأديان.
    وأضيف أن وجود المعابد والكنائس والمساجد٬ جنبا إلى جنب٬ في المغرب يعتبر أكبر دليل على الإمكانية المتاحة لمختلف الأديان للتعايش في أحضان الامة الاسلامة".

  • يونس السلفي
    الإثنين 4 دجنبر 2017 - 21:37

    "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين"
    انتهى.
    رحم الله الداهية الحسن الثاني فقد كان عالما بأمور الدين و الدنيا
    أما الآن فقد اختلط الحابل بالنابل و صار كل يغرد على هواه

  • متتبع
    الثلاثاء 5 دجنبر 2017 - 06:35

    الدولة تتفرج
    و المجتمع المغربي يتمزق ؟؟؟؟
    أين دور بل ادوار وزارة الاوقاف و الشؤون الاسلامية ؟ حتى اصبح يطل علينا هؤلاء القوم : شيعة و بهائيين و مسيحيين و لادينيين و ملاحدة …..
    أين دور المجلس العلمي الاعلى؟؟؟؟؟
    و المجالس العلمية المحلية ؟؟؟؟؟؟؟
    أم حفنة من المتنطعين تريد تغيير دين المغاربة حتى لا اقول دين الدولة ؟
    رحم الله الحسن الثاني الملك الاستراتيجي التفكير و الذي يقرا المستقبل و صراحة أقولها هؤلاء يريدنا هدم اسس الدولة و الفاهم يفهم .

  • كوشر
    الثلاثاء 5 دجنبر 2017 - 11:48

    عندما تتحدث عن حرية البهائي في دولة مسلمة، أو حرية المسلم في دولة علمانية، فأنت تتحدث عن حرية في إطار الدستور والقانون أم حرية فوق الدستور ووراء القانون؟ عندما قررت ألمانيا مثلا حظر أنشطة حزب التحرير الإسلامي وااتهم حينها وزير الداخلية الألماني أوتو شيلي الحزب بأنه يناهض التوافق والتفاهم بين الشعوب بما يتعارض مع دستور البلاد، فهل ألمانيا وقفت ضد حرية الدين أم ضد حرية فهم معين للدين إذ تبنى عليه أشطة ظاهرة في المجتمع؟ نفس الشيء في المغرب ولا فرق إلا في الشكليات الخارجية فقط وطبعا إذا تحول المغرب إلى دولة بهائية أو مسيحية أو علمانية فممكن القانون يتغير والقانون الجديد هو الذي سيحدد إطار هذه الحرية .

  • فاضل
    الثلاثاء 5 دجنبر 2017 - 23:17

    البهائية حركة نشأت تحت رعاية الاستعمار الروسي والإنجليزي، والصهيونية العالمية، بهدف خدمة مصالح الصهاينة، وإفساد العقيدة الإسلامية وتفكيك وحدة المسلمين.

    وتنسب هذه الفرقة إلى الميرزا حسين علي النوري المازندراني، الذي نشأ في إيران ولقب نفسه بـ (بهاء الله) وتربي وعائلته في أحضان أعداء الأمة، وفي عكا بفلسطين المحتلة، امتدت الأيادي الماسونية والصهيونية لإمداده بالمال وأسكنوه قصرا عظيما يسمى قصر البهجة، وهو القصر الذي يتخذه البهائيون قبلتهم في الصلاة ومكان حجهم!!!

    إنّ الاعتراف بالبهائية معناه الاعتراف بالدولة الصهيونية!!!

  • ب.مصطفى
    الأربعاء 6 دجنبر 2017 - 12:57

    أعقب على مقال صاحب التعليق الاول يقول : ….لا يوجد معيار منطقي أو علمي محايد لمعرفة الدين الصحيح من غير الصحيح،) وهنا نقطة انتظام من قال لك لايوجد معيار لمعرفة الدين الصحيح ؟ بل نقول لك ان معرفتك للدين غير منطقية اعلم !غفرك الله ان علماء الامة لهم كتب في الجرح والتعديل اسس لنا قاعدة منطقية "الحكم على الشيء فرع تصوره " كيف تحكم على دين وانت غير مؤهل له وليس لك ادوات البحث والتنقيب وان كنت لااعرفك عليك- ان تقدم بطاقتك حتى نعرف هل بالفعل ما تقوله صحيح – لكن يعرف الكتاب من عنوانه نجيب فنقول ان الدين الاسلامي دين حجج وبراهين ودليننا ان في كثير من الايات الكريم تنص على الادراك والبحث واستعمال العقل ثم ان الدين الاسلام ليس من مثل الاديان الاخرى كما تزعم التي تستعبد الانسان وتجعله عقلا جامدا نحن ضد كل الطوائف الدينية وحجتنا في ذلك انها ليست بدين وانما هي طقوس اخترعها اشخاص لاغراض تقسيم الامة ومن حق المغرب ان يحارب هذه الظواهر السلبية مثل البهائية او الشيعة او الخوارج او الدروز الذين يعتقدون ان ابليس في القران هو الرسول" ص " كبرت كلمية جرجت من افواههم نعم لو فتحنا لكل من دب وهب تابع

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين