الملك وجمهورية النيت الحرة

الملك وجمهورية النيت الحرة
الإثنين 26 غشت 2013 - 14:57

ماعاد الملك شابا، ولا عهده عهدا جديدا، أكمل الجالس على العرش إلى عقده الخامس وصار اقرب الى الكهولة منه إلى الشباب، لقد أمضى ١٤ السنة في السلطة بحلوها ومرها، وماعاد المغاربة يسعون إلى اكتشاف من يحكمهم، صاروا يعرفون ملكهم وصار هو يعرفهم ويعرف ما يريدون وما لا يريدون ،وفي اللحظات الحرجة يعطيهم أكثر مما يتوقعون منه ،قبل ان تتدخل آلة السلطة الأكبر من الجميع فتعيد ضبط ساعة الإصلاحات على التوقيت المحلي مستغلة ضعف النخب السياسية وتقليديتها.

هذا الأسبوع أطفا الملك شمعته الخمسين، وخطب في الناس بهذه المناسبة بأسلوب لم يعهدوه. وبنبرة لم يالفوها، لقد جاء هذا الخطاب يحمل لمسة حميمية و عاطفية ، تحدث فيه الملك عن نفسه وعن دراسته وعن قربه من شعبه، وعن حزبه المفضل ،الذي هو المغرب، وعن سواسية الناس فقيرهم وغنيهم عنده ،لقد تحدث الملك محمد السادس المعروف عنه ابتعاده عن الحديث للإعلام والصحافة بأسلوب مغاير عن السابق .وهذا دليل على وعي القصر الملكي بأهمية التواصل الحديث في عالم التسويق السياسي ،حيث يمزج الساسة بين حياتهم الخاصة ومسؤولياتهم العامة، وحيث يحرص من يحكم على التجاوب مع اتجاهات الرأي العام، وأحكامه ،وخاصة الشباب في بلاد ثلثا سكانها من الشباب٠

ليس هناك من سر في هذا التحول، فحادثة السير التي وقعت داخل منطقة العفو الملكي بمناسبة عيد العرش الماضي وادت إلى الإفراج خطا عن وحش بشري اسمه دانييل كان يقضي عقوبة ٣٠ سنة سجنا لأقدامه على اغتصاب ١١الطفلة مغربية، حادث اثر سياسيا وإنسانيا في الجالس على العرش، فلأول مرة وجد الملك نفسه في وسط أزمة كبيرة، وسوء فهم حاد، بينه وبين شعبه بدون وساطة ولا ( بارشوك) ،وإذا كان الملك قد تحرك لإطفاء الحريق لوحده ،فتاسف لما حدث واعترف بوجود خطا، وسحب عفوه، ووعد بإعادة تنظيم حق العفو من اصله، وعاقب واحدا من خدام دار المخزن ( حافيظ بنهاشم) ،فان الأمر مع ذلك خلف جرحا ستظل آثاره بادية للعيان مدة طويلة ،ولهذا فالحادث يجب ان يفتح الأعين كلها في القصر وخارجه على الواقع الجديد. وهو ان المغاربة وخاصة شباب اليوم شباب الفايس بوك والتويتر واليوتوب ،ماعادوا مثل آبائهم وأجدادهم يكتمون غيضهم، ويصبروا على البلاء، ويتفهموا ضرورات حكامهم، ويغضوا الطرف عن أخطائهم .

شباب اليوم الذي يوجد أكثر من ١٥ المليون منهم مرتبطون بشبكة لانترنيت، صاروا مواطنين يشعرون ان لهم عالم افتراضي شكلا واقع عمليا يكفل لهم حرية الرأي والتعبير وبسقف عال جداً لا تتيحه جل المنابر الإعلامية التقليدية، التي سقطت سقوطا مريعا بمناسبة فضيحة دانييل، حيث ظلت صامته لمدة أربعة أيام، حتى صدر البلاغ الاول للديوان الملكي ،الذي اعترف بوجود خطا في العفو، ولو لم يصدر هذا البلاغ لسمعنا صحافيين وكتاب وأقلام تبرر العفو عن دانييل باعتباره يراعي المصالح العليا للوطن، وباعتبار القصر معصوما من الخطأ، وهلما جرا من تبريرات مدفوعة الأجر ماديا أو مدفوعة بالخوف معنويا.
المغربي تغير، وأسلوب حياته تغير، وطرق تواصله تغيرت، وإحساسه بالخوف تراجع، وشعوره بالفردية والمواطنة ينمو يوما بعد آخر. صحيح انه لا يصوت إلا نادرا، ولا يشترك في الأحزاب والنقابات إلا بنسبة قليلة. لكن مياه كثيرة تجري تحت جسر شباب اليوم واكثر منه شباب الغذ الذي صار يؤثر ويتأثر بما يجري حوله في الداخل والخارج .

الإنترنيت ليس مجرد حاسوب وكونكسيون ومحركات بحث ومواقع للدردشة والتواصل الاجتماعي. الإنترنيت ثورة ثقافية وسياسية وإعلامية وتواصلية هائلة، وهي إذ تمحي الحدود الجغرافية والثقافية بين الدول والمجتمعات والثقافات، فإنها تزرع بعض اهم خصائص المواطنة وهي حرية الرأي والتعبير ،والقدرة على الوصول إلى الآخرين والتواصل والتفاعل معهم ، لقد كان لافتا للنظر الحجم الكبير جداً من التعليقات التي صاحبت فضيحة دانييل على صدر مواقع التواصل الاجتماعي وكان لافتا ان تظاهرات كثيرة خرجت إلى الشارع في مدن عدة للاحتجاج على قرار العفو الملكي عن الوحش دانييل كان مصدرها هو الفايس بوك والتويتر والصحافة الإلكترونية وان الداعين لها شباب بعضهم خرج من رحم ٢٠ فبراير ،وبعضهم نزل إلى الشارع لأول مرة، لا حزب ولا نقابة ولا هيأة ولا جمعية ولا منظمة أطرت هذا النزول إلى الشارع،و واحدا لم يهتم بوجود ترخيص للتظاهرة من عدمه، او بضرورة تأطير الاحتجاج في الشارع العام من عدمه هذه مفاهيم صارت من الماضي، اليوم هناك مغرب مادي تحكمه القوانين والسلطة والحدود والمواضعات ، وهناك مغرب افتراضي لا سيادة فيه لاحد والجميع يشعر داخله بالحرية المطلقة والحلقة الأكثر حساسية هي درجة ومقدار التفاعل بين المادي والافتراضي والخروج من الثاني إلى الاول والعكس ٠

اليوم هناك رقم جديد دخل إلى المعادلة،هو ( والمواطن الإنترنتي ) وعلى السياسي ان يحرص على الانسجام مع قيم حقوق الإنسان و الديمقراطية والحكامة ودولة الحق والقانون لان هذه القيم الحديثة هي معيار الحكم على تصرفات السلطة والمعارضة في جمهورية النيت الحرة .

‫تعليقات الزوار

9
  • aouni
    الإثنين 26 غشت 2013 - 16:33

    a l age de 60 ans et plus. on n est plus capable de deriger une institution comme par exemple les prisons ……

  • إنسان([email protected])
    الإثنين 26 غشت 2013 - 17:12

    ألآ و إن قواعد السياسة أن تُسْمِعَ المُخاطَبَ ما يُريدُ أن يَسْمَعَ فيَتَوهَمُ أنّك تتفهمه فيقبلك. أمَّا إذا خاطبته بهُمُومِكَ قد يَنفظُّ عنك. و إذا واجهته بالحقيقة الصريحة قد يُقارعك و هذا ما تجنبه كاتب الخطاب.
    فجاء الخطاب بنوعٍ من الضربات الإستباقية بالاحتضان قبل انطلاق الموسم الدراسي؛ فأُلقى بموضوع على وَزن "حلل و ناقش" بأفواه "أناس التعليم" ل"يتباحثوه" إلى حين ظهور مُستجدات تُبعد و تُنسي ما تبقى من مُتابعة نتائج الحِراك حول الصلاحيات الدستورية و السلطة و السلطة المتجددة المُتجدِّرَة بأخطاء عريقة و غريقة .
    فلو كان يُراد للموارد البشرية و للتعليم فعلا النهوض لأنيط به(15 سنة حُكما) و قبل التوترات الداخلية المُتناغمة مع المُسجدات الخارجية و لتوقف استنزاف أملاك الوطن بقناع الخوصصة حتى أوشك بيع الراية والنشيد فأي حركة للموارد بشرية و قد أحيط بالموارد الاقتصادية الاستراتيجية من كل جانب.
    أمّا عن "دولة التواصل" لا إمبراطور لا ملك لا برلمان شيخ لا عسكر عالم روحه الطاقة الكهربائية و جسمه دوائره و فكره برامج فهو عالم محسوس غير ملموس ماديا فإنه ينفلت –حتى حين – للسلطة المادية..يتبع.1\2

  • الموضوعي
    الإثنين 26 غشت 2013 - 17:55

    لقد جاء الملك وقد علقت عليه امال كبيرة من كل المواطنين المغاربة , راجين من الله ان يكون ازدهار هذا البلد على يديه . وقد حاول حفيد محمد الخامس أن يغير وجه المغرب , وقد نجح في بعض الامور وخاصة في المجال الحقوقي و السياسي . لكن مازال الرهان الإقتصادي و الإجتماعي مشكلا يحتاج حلولا عملية من خلال الوصول إلى عدالة إجتماعية عبر التصدي للوبيات الكبرى , والتخلص من إقتصاد الريع .

  • إنسان([email protected])
    الإثنين 26 غشت 2013 - 17:59

    و لعل التناسي و"الإنساء"هو نفسه من المبادئ الباطلة التي تنبني عليه ما يُسمى "السياسية" مثل "الحق يُطلب ويُطالب به ويُنتزع و يُقاتل من أجله" مبدأ جاء به ألاَّ إنسانِـيُون و الساسة نسخا لمبدأ الفطرة الكوني "الحق يُعطي".
    فليطمئن الآمل أن لا أمل منذ أن حُـولت التعاملات الاقتصادية من الإقتصاد الحقيقي المباشر(اقتصاد الذهب)إلى اقتصاد العُملات هذا جَوهَرُ اللُّعبة بين السياسية و أسْأسَتْ الإقتصاد لتمكين السياسة السُلطوية من السَطو.
    و مادام المحكومون يَتحاكمون إلى الشبكة القانونية التي يصنعها لهم الساسة الذين هَمُهُمْ بقاء أنظمتهم المرهون بقاءه ببقاء الميزان الذي أبدعوه توازن بكفتين قوامه:(تعمل كثيرا+تحصل على قليل)=(تعمل قليلا+تحصل على كثير)و لعلها تسمى معاوضة الكثير بالقليل!
    فلي تبليغ واحد أن اقتصاد العملات يُحَمِلُ الفرد في دولة ضعيفة انخفاض عُمْلة دولته+انخفاض عُملات الدول الأقوى مِمَا يُفرز شعوبا تحت الدرك الأسفل من الفقر و أفراد أغنى من قارون(مع كامل التحفظ لهذا التعبير).
    إذا كانت "دول السيادة" لا ترحم فإن حكام الدول"المَأسُودَة"هي شاشة تواصلهم."إنما الصديق من صَادقك لا من صدّقك".

  • مواطنة
    الإثنين 26 غشت 2013 - 19:42

    والله برافو علبك مقال جميل جد. ما احوجنا اليوم الي من ينتقد ويدرس بعمق السياسة الملكية.فعلا عهد. المخزن الي زوال.

  • FNOUNE Abdelaziz
    الإثنين 26 غشت 2013 - 22:12

    Cette personne est la porte parole de My Hicham; un populiste privé!!!

  • إدريس الجراري
    الثلاثاء 27 غشت 2013 - 01:35

    إذا كان حزب الملك هوالشعب فعليه ان ينصف الشعب بإحقاق العدل ودولة المؤسسات والحق والقانون ويحاسب المسؤولين ويتابع الشأن العام ويفتح صفحة خاصة به في الفيس بوك مثل اوبما ليستمع للشعب و يسد الطريق على اصحاب الحجاب بينه وبين الشعب وحتى يعرف كل مسؤول ان الملك قد تصله أخبار خرقه للقانون وإستغلاله للنفود أو تبديرالمال العام. وينصف المظلومون ويحد الحد وتتحرك الإدارة كما يبنون الطرق ويغرسون الأشجار في24 ساعة كيبنيو مدينة إلكن الملك غيدشنها وحنا بغينا غير الناس تقوم بالواجب ديالها في إطار القانون الناس بغات الفعل, الحقيقة فالواقع اما خطب المستأجرين ومساحين الكابة والأشباح ومن يزمرون ويطبلون فأطمإنهم الناس تعرف الحقيقة من عيشها وكلما كان لها إتصال مع الإدارة لقضاء مصالحها ومن السوق ومن راتبها ومن الأمن ومن مدارس أبنائها ومن سكنها ومن المستشفيات ومن تلفزتها مقارنة بتلفزيونات العالم الناس تعرف الحقيقة مباشرة بعد خروجها من بيتها فعيون الناس اكتر من كامرات ومكروفونات وحتى الصحف الإلكترونية المخزنية الناس تنتضر التغير وهو سنة الطبيعة وإنما عيبهم الإنتضار والرضى بالذل الملك له حرمته والشعب له كرامته

  • maghribi
    الثلاثاء 27 غشت 2013 - 09:31

    قديما قيل ان الصدق لا يدخل قصور الملوك ,لذا وجب اليوم وقبل اي وقت مضى لهذا الصدق ان يدخل ولو من بوابة النت.هذا الصدق الذي طالما نادى به بعض الشرفاء لاصلاح المؤسسة الملكية حتى تكون بالفعل تساير تطلعات الشباب التي تكون في الغالب بسيطة وسهلة التنفيد, لكن المحيط الملكي لا يريد لهذا التقارب ان يتم لان مصلحته تكمن في تعميق الهوة .لذا نقول بانه ان الاوان لمراجعة بعض القرارات التي تتخذ باسم الملك ولعل ابرزها مسالة العفو والكريمات .لاننا لا نريد ان تهتز صورة الملك في الداخل والخارج .ولقد اعترف الحسن الثاني في لقاء صحفي انه اخطا كثيرا عندما لم يكن يعير اهتماما لبعض النصائح التي كانت تحذره من بعض من خططوا للانقلابين الدمويين .النقد لايعني ان الشعب لا يحترم الملك ,وهذا ما يجب ان يفهمه زبانية فرق تنتفع اكثر.

  • رشيد طالبي
    الأربعاء 28 غشت 2013 - 07:59

    أعجبتني هذه المقدمة وآمل أن أقرأ المقال

صوت وصورة
اعتصام ممرضين في سلا
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 19:08 1

اعتصام ممرضين في سلا

صوت وصورة
وزير الفلاحة وعيد الأضحى
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 17:34 24

وزير الفلاحة وعيد الأضحى

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12 3

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02 2

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15 4

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات