على إثر فجيعة بوقنادل

على إثر فجيعة بوقنادل
الجمعة 19 أكتوبر 2018 - 19:48

قادرون على الأجمل، قادرون على الأسوأ

كلنا تابعنا مأساة حادث بوقنادل وكلنا وضعنا أيدينا على قلوبنا في لحظة إعلان الخبر المؤلم وكلنا تمنينا ألا يقع الأسوأ: ألا يسقط القتلى والجرحى بالعشرات أو أكثر.

هذا الحادث عرى عيبا كبيرا في تدبير قطاراتنا.

لكنني الآن أريد الكتابة عن شيء آخر تماما.

نحن لم نكن لحظة الصدمة نفكر فيما سيقع بعدها. كنا فقط نستقبلها ونحاول قدر المستطاع أن نخفف منها على قلوبنا وهي تغزو خيالاتنا من وراء الشاشات.

لكن ما وقع بعد ذلك بالضبط كشفنا كما نحن، بلا أقنعة ولا مساحيق.

كشف بدءا عن جانب مشرق فينا كان انطمس أو يكاد في محطات الجلد الذاتي: أعني هبَّة التضامن اللامشروط التي تجلت في نداءات تُدمع العين عرفانا، تجسدت في وضع السيارات مجانا رهن إشارة كل متضرر يرغب في التنقل، أو فتح أبواب المنازل لاستقبالهم وتوفير المبيت أو تحضير الأكل لهم أو نداءات التبرع بالدم والإسراع إلى مراكز التحاقن في سلاسة عز مثيلها، ربما منذ زلزال أكادير سنة 1960.

لكن الحادث كشف كذلك جانبا بشعا فينا، لا نستطيع حتى تصوره: أعني مثلا السلب والنهب في حق المصابين – يا للنذالة – والإحجام عن إغاثة الجرحى وفرض أثمان أضعاف أضعاف ثمن الرحلة من طرف بعض أصحاب سيارات الأجرة والنداء من أجل الامتناع عن التبرع بالدم… هذه الأشياء قام بها أفراد من بيننا ولو كان عددهم قليلا، فهي ممارسات بشعة وبعضها إجرامي يمكن اعتباره جنحة وفي بعض الحالات جناية لا تغتفر…

أدعو مسؤولينا في كل مستوياتهم إلى البحث على هؤلاء وأولئك بأسرع الطرق وهي متوفرة: الأوائل من أجل التعريف بهم وتمتيعهم بالأوسمة التي يستحقون ومن أجل تقديم الشكر لهم على مبادراتهم التي تعلي احترامنا لذواتنا وترد الروح لانتمائنا وتدعم قيم العيش المشترك بيننا، والآخرون من أجل فضحهم وإعمال القانون باسم الوطن الجريح، الجريح على خطوط السكك التي لم يعد يقرأ عليها شيء عدا القرف واللامسؤولية… وبالمناسبة، رجائي هنا لمن قد يحاول تبرير هذه الجرائم بالعوز والفقر والحاجة ألا يكمل قراءة هذه السطور فليس في روحي متسع حتى لسماع البسيط من “حججه”. رجاء. الطريق مفتوح للعبور بعيدا…

وبالمناسبة مرة أخرى، هذه فرصة لإعادة القول الفصل في سككنا ومسؤوليها، بل قل لامسؤوليها.

العديد منا تذكَّر بالتأكيد – في هذه المناسبة الأليمة – كم مرة ركب القطار إياه وكم مرة غضب جهرا أو سرا من تأخر انطلاقه في موعده أو من غياب آلة التبريد في عز الصيف أو من نتانة المراحيض أو من الباب المكسر أو النافذة المشرعة على قرقعة خطوط السكة المرتطمة بالعجلات أو من كثافة الواقفين في الممرات بعد يوم مضن من العمل… فيما تصرف الميزانيات على رخام المحطات المعدة لاستقبال القطار فائق السرعة عوض الاعتناء بالقطارات فائقة التفكك والتلاشي… هذا ليس تبخيسا لأي مشروع واعد. لكن للضرورات أحكام وللأولويات أحكام…

لذلك هناك شيء ما غير مقنع في دموع المدير العام عند دفن الراحل سائق القطار، فالمواطنون لا يطلبون دموعا بقدر ما يطلبون مسؤولين قادرين على تحمل المسؤولية والقيام بالواجب أو مغادرتها حال الإخفاق أو الإخلال أو الإحساس بالعجز.

بقيت كلمة إنصاف في حق قوات الدرك والوقاية المدنية، يجب ألا تُنسى في خضم الألم والحزن. فقد جاء الإطراء عليهم وعلى دورهم الحاسم في إنقاذ العديد من المسافرين من الموت المحقق أو من السلب والنهب جاء على لسان الضحايا أنفسهم. فلهم الشكر مضاعفا على قيامهم بالواجب الوطني على أحسن وجه.

‫تعليقات الزوار

7
  • abdel
    الجمعة 19 أكتوبر 2018 - 23:11

    للأسف سيدي لم يكن الأمر يتعلق بحوادث منعزلة حقيرة؛ وإنما بعمليات نهب وسلب جماعية شاركت فيها جموع من "المواطنين" (والأصح هو أن نقول من الضباع)، حتى أن بعض المراهقين تخلفوا عمدا عن فصول الدراسة لينالوا حقهم من الغنائم.
    سمعت ناجيا من مغاربة ألمانيا يتحدى أن تجد ناجيا استطاع الحفاظ على هاتفه النقال، وقال آخر فقد بنته أنه ظل يتنقل بين المستشفيات طيلة اليوم أنه وجد صعوبات جمة في العثور على جثتها بسب نهب محفظتها التي تتضمن هويتها وبسبب نهب هاتفها وكمبيوتر كانت تحمله معها أثناء الرحلة. وصل الأمر بأحد الناجين إلى حد القول بأنه لولا وصول رجال الدرك في الوقت المناسب لتم تجريد المصابين من ملابسهم.
    للأسف هذه الفاجعة كحادثة الإغتصاب في الأتوبيس عرت مرة أخرى المستور، وأعطت صورة واضحة عما جنيناه على أنفسنا من إفلاس التعليم ; انعدام في الضمائر وانحدار في الأخلاق.
    أما الفقر فلم يكن يوما مبررا للتوحش والهمجية.
    لذلك أقول لكل التواقين إلى الحرية والديموقراطية ، نعم للنضالات الإجتماعية ، لكن حذار من الإنفلاتات الأمنية، فقد تشعل نارا لن تنطفئ إلا بعد أن تحرق البلاد والعباد..
    القاع مخيف.. مخيف جدا..

  • KITAB
    الجمعة 19 أكتوبر 2018 - 23:23

    حادث بوقنادل أو قطار بوقنادل المميت كشف للرأي العام المغربي قبل غيره مدى التهور واللامبالاة التي تهيمن على تدبير العديد من القطاعات ومن بينها طبعاً القطاع السككي، لا أتحدث هنا عن ضبط الأوقات فهذا داء عضال قديم، لكن هناك ظاهرة جد خطيرة بدت تتكشف للعيان وهي تجاوز السرعة في بعض المقاطع السككية كما يحول حياة المسافرين إلى جحيم سيما حينما تتجاوز السرعة 132 كلم/س، مما يكشف بوضوح أن هناك تجاوزات خطيرة على حياة المسافرين وقد تكون مظهراً من مظاهر العقليات غير السوية التي تقود القطارات، عقليات مرضية يجب إخضاعها للفحوصات الطبية بشكل منتظم وإلا شاهدنا لا قدر الله الأفظع! (يتبع)

  • KITAB(suite)
    الجمعة 19 أكتوبر 2018 - 23:24

    وكما أشار الأستاذ فقد كشف الحادث الأليم عن حادث أشد ألماً هو هبوط النسور البشرية على القطار وهو راقد في حافة السكة يجردون المسافرين ميتين ومجروحين وبين الموت والحياة يجردونهم من ممتلكاتهم بعنف لا يمكن مضاهاته إلا بالوحوش الكاسرة الجائعة، ولولا تدخل الدرك ولو أنه جاء متأخراً لهربوا حتى بعربات القطار، فقد كانت مجيشة لا أدري من أين أتت وكيف اشتمت روائح ضحاياها ! حادث لو أمكن للإعلام الأجنبي تصويره منذ الوهلة الأولى لتأكد لكل مشاهد بأن المغرب ما زالت تستوطنه الوحوش البشرية الكاسرة الجائعة، فلما لم تفلح من وراء رشقها للقطار بالحجارة بشكل يومي في النيل منه اغتنمت فرصة الحادث والذي قد يكون مدبرا… وتحياتي

  • عاشقة هيغل
    السبت 20 أكتوبر 2018 - 00:26

    مقالك أشفى الغليل شكرا على هذه السطور التي استوفت كل الجوانب فيما يخص الحادث،فعلا افتقدنا مثل هذه المقالات الملمة والراقية منذ زمن،لم نعد نجد غير بعض السطور المتقلة يمجمل مفاهيم البكاء والحسرة أو الاستنجاد والاستغاثة .شكرا للكاتب وشكرا هسبرس.

  • لا حول
    السبت 20 أكتوبر 2018 - 02:44

    اخر ما اصبح يطالبون به الحقوقيون, هو اخلاء المسؤولين في حال عدم قدرتهم تحمل المسؤولية, بدل جرهم للقضاء, والتحقيق معهم, ومحاسبتهم, ياحسرا, لم اسمع كذلك صوتكم في موت حياة, اللهم اذا كنتم يتم الضغط عليكم بالزر, وهو ما اعرفه شخصيا.
    اخيرا, ان الشفارة والقطاطعية, والمشرملين, هم ضحية وليسوا جناة, المخزن ماقراهم, ماكونهم, مااهتم بهم, وزيدون. لم يخلوا اي مجتمع من مثل هته الطبقة.

  • إلى صلاح الوديع
    السبت 20 أكتوبر 2018 - 10:43

    بداية شكرا لمنبر هسبريس ولكل جنود الخفاء أقبل رأسهم واحدا واحدا لتغطيتهم لهذه الكارثة رغم الضغوطات التي تمارس على هسبريس.
    أما أنت أخي صلاح تأخرت كثيرا في تأبين الضحايا. كنت سلحفاتيا أكثر من سيارات الإسعاف.

  • مشكلة
    السبت 20 أكتوبر 2018 - 11:39

    اخر ما اصبح يطالبون به الحقوقيون, هو اخلاء المسؤولين في حال عدم قدرتهم تحمل المسؤولية, بدل جرهم للقضاء, والتحقيق معهم, ومحاسبتهم, ياحسرا, لم اسمع كذلك صوتكم في موت حياة, اللهم اذا كنتم يتم الضغط عليكم بالزر, وهو ما اعرفه شخصيا.
    اخيرا, ان الشفارة والقطاطعية, والمشرملين, هم ضحية وليسوا جناة, المخزن ماقراهم, ماكونهم, مااهتم بهم, وزيدون. لم يخلوا اي مجتمع من مثل هته الطبقة.

صوت وصورة
مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا
الخميس 18 أبريل 2024 - 16:06

مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا

صوت وصورة
الحكومة واستيراد أضاحي العيد
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:49 92

الحكومة واستيراد أضاحي العيد

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36 86

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45 4

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17 3

عريضة من أجل نظافة الجديدة