في أبعاد الأزمة السعودية الإيرانية وتقييم الموقف المغربي

في أبعاد الأزمة السعودية الإيرانية وتقييم الموقف المغربي
الخميس 14 يناير 2016 - 05:38

كثيرون قرؤوا في الموقف السعودي نوعا من التسرع والافتقاد إلى العمق الاستراتيجي، بسبب الإقدام دفعة واحدة على إعدام 47 شخصا بتهمة الإرهاب منهم الداعية الشيعي نمر النمر، وما سيترتب عليه من اندلاع أزمة دبلوماسية خطيرة بين السعودية وإيران، لكن، المتابعة الدقيقة للشأن السعودي، وبخاصة للسياسة الخارجية السعودية، تبين صورة مختلفة عن تلكم التقييمات المتسرعة، ذلك أن الخارجية السعودية، منذ الحراك البحريني، وما تلاه بعد ذلك من سيطرة الحوثيين على الحكم في صنعاء، والدينامية المتدرجة التي يشهده الحراك الشيعي في المحافظات الشرقية في السعودية (القطيف، الأحساء…)، منذ تلكم الأحداث المتلاحقة، بدأت تستشعر بأنها بدأت تفقد بشكل كلي الدائرة الثانية من أمنها القومي (النفوذ الإيراني في الدول المتاخمة لحدودها)، وأن الاختراق الإيراني للدائرة الأولى من أمنها القومي (الحراك الشيعي السعودي) سيتجه بشكل تدريجي إلى أن تتكرر الحالة البحرينية سعوديا. فالوجود الإيراني بكل من سوريا والعراق واليمن، والتغلغل في النسيج المجتمعي الخليجي (الكويت- البحرين- السعودية..) هذا فضلا عن النزاع الإيراني الإماراتي (جزر أبي موسى) والتي تجعل من إيران خطرا دائما للأمن الخليجي بشكل عام، والأمن السعودي بشكل خاص، كل ذلك، جعل القرار السعودي يضع في رأس أولوياته في الآونة الأخيرة إيجاد جواب عن هذا التحدي، لاسيما وأن التمدد الإيراني في المنطقة يستغل بشكل جيد واقع التهدئة لخلق واقع جديد على الأرض يبتلع بشكل تدريجي الدوائر التي تحصن بها السعودية ودول الخليج أمنها الإقليمي.

الخارجية السعودية لم تكن تملك خيارات كثيرة، فالمسار الأممي يضغط لإنهاء الحرب في اليمن، ووقف إطلاق النار، والجلوس إلى طاولة المفاوضات، وهو وإن كان يعني من الناحية السياسية: لا غالب لا مغلوب، لكنه يعني في عمليا بقاء الحوثيين كقوة مهيمنة على الأرض يصعب إزاحتها بالتفاوض من غير إعطائها مقابلا سياسيا، وما يعنيه ذلك من استمرار التهديد الإيراني للأمن القومي السعودي والأمن الإقليمي لدول الخليج، وهذا ما يفسر بشكل واضح السبب الذي يجعل السعودية تستمر في عاصفة الحزم رغم الإعلان الرسمي المتكرر عن وقف إطلاق النار في اليمن.

معنى ذلك، أن الخيار الاستراتيجي الذي تملكه السعودية هو البحث عن مبرر دائم لاستمرار التحالف العسكري العربي، وذلك لتأمين أمنها القومي، ومنع إيران من استثمار أجواء التهدئة للاستمرار في التوغل الناعم في منطقة الخليج، واختراق حدود أمنها الإقليمي.

فإذا كان التوصل إلى وقف إطلاق النار في اليمن دون تحقيق نتائج نوعية على الأرض (إعادة خارطة المشهد السياسي في اليمن إلى الوضع الذي صنعته المبادرة الخليجية) سينهي مبرر إقامة التحالف العسكري العربي دون النجاح في التقليص من النفوذ الإيراني في اليمن، فإن استمرار الحرب في اليمن، والتوتر الدبلوماسي بين السعودية وإيران، سيجعل مبرر التحالف العسكري العربي قائما، كما سيجعل الأمن القومي السعودية في حصانة أفضل من وضعه عاريا من وجود أي تحالف عسكري عربي.

ولذلك، وبغض النظر عن تقييم عملية إعدام الداعية الشيعي نمر النمر، وسندها الأخلاقي والحقوقي، فإن الأثر الذي لحقها، وبشكل أساسي الأزمة الدبلوماسية التي نشأت بين البلدين، ستكون السعودية هي المستفيدة منها بشكل أساسي، ذلك أنها ستدفع عددا من الدول العربية إلى الاصطفاف في موقفها لموقف المملكة، وإدانة رد الفعل الإيراني (الاعتداء على السفارة في طهران والقنصلية في مشهد)، وفي المقابل، سيكون الموقف الدولي مرتهنا للبعد السياسي أكثر من ارتهانه للأبعاد الأخرى القانونية والحقوقية، وستكون إيران خاسرة مرتين: الخسارة الأولى بسبب ضياع فرصة وقف إطلاق النار في اليمن، والتي توفر لها أجواء الهدوء التي تعرف كيف تستثمرها لتعزيز وجودها في اليمن عبر حليفها القوي الحوثي، أما الخسارة الثانية، وهي أنها ستجد نفسها – بردود فعلها القوية- تمد للتحالف العسكري العربي بأسباب القوة والاستمرار في المنطقة كحليف استراتيجي للسعودية ضد من يهدد أمنها القومي.

ولهذا السبب تعمل إيران على صياغة موقفها بشكل يجمع بين التصعيد من جهة (رد فعل الخارجية الإيرانية) وبين التهدئة (إدانة روحاني للاعتداء غير المبرر على السفارة السعودية في طهران) ومحاولة إدخال أطراف أخرى لحل الأزمة (منظمة المؤتمر الإسلامي) محاولة منها من جهة لامتصاص الضغط الشعبي الداخلي، وتطويق التوتر، ومنعه من ارتياد آفاق كبرى لأن ذلك يضر بمصالحها في المنطقة.

ولذلك، فالتقدير أن الموقف المغربي الذي أعلنته الخارجية المغربية بهذا الخصوص كان في غاية التوازن والدقة، إذ انطلق من تقييم عميق لحقيقة الموقف من جهة، ومن تقدير دقيق للموقع المغربي في الحال والمآل من جهة ثانية. فاستمرار الأزمة يعني استمرار بقاء مبرر التحالف العسكري العربي الداعم السعودية، بل تعزيزه وتقويته، وعدم التحكم في خيوط الأزمة يعني إمكانية أن تتوسع أهداف التحالف العسكري العربي لما هو أكبر من قضية اليمن، والدفاع عن الشرعية السياسية فيها، إلى مواجهة مفتوحة مع إيران ، وهو ما ينذر بمآلات خطيرة على المنطقة، ولهذا السبب جاء الموقف المغربي بذاك التوازن الذي دعا إلأى إعمال الحكمة والتبصر، وفتح نافذة لوساطة (ذات مصداقية) مستقبلية بين الطرفين يمكن أن تجنب هذا المآل الخطير.

التقدير أن المغرب أراد بهذا الموقف المتوازن تحقيق أربعة أهداف رئيسة:

إعطاء إشارة إلى أن التحالف العسكري العربي الداعم للأمن الإقليمي السعودي والخليجي جاء لمهمة محددة، وأن نجاحه في تحقيق هذه المهمة سينزع فتيل الأزمة ويعيد النقطة إلى الصفر، أي إلى ما قبل التغول الإيراني في اليمن، وأنه من الخطورة توسيع مهامه لتشمل المواجهة المباشرة مع إيران.

أن المواجهة المباشرة مع إيران ستكون لها مآلات جد خطيرة على المنطقة.

أن الأزمة بين البلدين، حتى ولو كانت في هذه الفترة ضرورية ومطلوبة لاعتبارات استراتيجية، فينبغي التحكم في مآلها، وتحديد سقفها.

أن المغرب جاهز للوساطة في حال ما إذا خرجت الأزمة عن الحدود المتحكم فيها.

ولذلك، وخلافا لبعض التقديرات المتسرعة التي تذهب إلى أن الموقف المغرب غرد خارج سرب الحلف العربي السعودي، فإن المملكة العربية السعودية ستكسب من الموقف المغربي أكثر من أي موقف آخر وضع بيضه بشكل كامل في السلة السعودية، لأنها ببساطة ستجد الطرف الذي يمكن أن تعول عليه في حالة ما إذا تم العجز عن التحكم في سقف الأزمة، وأنذر التوتر بمآلات خطيرة على المنطقة.

لقد جربت المملكة العربية السعودية مع إيران أجواء الهدوء الدبلوماسي، لكنها في كل محطة كانت تستيقظ على كسب إيران لنقط ومواقع جديدة على حساب أمنها القومي والإقليمي، واليوم، وبعد أن جربت إدارة الأزمة في اليمن، أو للدقة الحرب ضد الحوثيين والنفوذ الإيراني الداعم لهم في صنعاء، فقد أيقنت أن أفضل أسلوب لمواجهة إيران وتقليم أظافرها في المنطقة، هو الدخول في أزمة معها، مستعينة في ذلك بالتحالف العسكري العربي، لاسيما وأنها تمتلك – من خلال الموقف المغربي المتوازن- إمكانية للرجعة.

‫تعليقات الزوار

4
  • Yassine
    الخميس 14 يناير 2016 - 08:07

    تحليل سليم وفي المستوى ، الحمد لله أصبحت السياسة الخارجية للمغرب قوية و متزنة بفضل صاحب الجلالة حفظه الله .

  • محمد الجهني
    الخميس 14 يناير 2016 - 09:29

    الحرب في اليمن لم يشارك بها فعلياً سوى دولتين واتكلم عن المشاركة الجوية
    والبرية سوى السعودية والإمارات وبقية الدول العربية فقط مؤيده سياسياً
    لموقف السعودية في حربها ولكن لم تشارك فعلياً في الحرب لذا لا تعول
    السعودية كثيراً على العرب فقط تريد موقفاً سياسياً منهم مؤيداً لها أمام
    المجتمع الدولي وجزاهم الله خيراً التحالف الحقيقي هو التحالف الأمريكي
    الأوروبي عام 2003 حينما احتلت أمريكا العراق الكل شارك براً وجواً لم يقل الأسترالي او الأسباني أو الإيطالي او البريطاني مادخلي بالأمريكان وحربهم في العراق لأنهم على قلب رجل واحد بعكس العرب والمسلمين
    يتكلمون اكثر مما يفعلون وصدعوا رؤوسنا بقوة وعظمة جيوشهم
    وساعة الصفر ينطبق عليهم قول الله تعالى " هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا " السعودية الدولة الوحيدة التي تقف ضد المشروع الإيراني التوسعي
    نيابة عن العرب ولا احد يريد الحروب لأن لا يأتي من الحروب إلا الخسائر
    في الأرواح والإقتصاد ولكن عندما تُفرض عليك الحرب وترغم على ذلك ويكون هذا الخطر على حدودك مباشرة فلا مفر من الحرب

  • مالك الحزين
    الخميس 14 يناير 2016 - 10:09

    يقول الله عز وجل في محكم التنزيل:"كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين" .
    هذا هو شأن بني سعود،وكذلك شأن اليهود،ربما لأنهم يمثلون الامتداد العرقي والتاريخي لبني قريظة وبني النضير وبني قينقاع.
    لقد قامت دولة سعود على السيف،ويشهد بذلك تاريخهم،فقد قاتلوا جميع المخالفين ممن ليسوا على المذهب الوهابي،ودمروا الآثار الإسلامية،وكادوا يسوّون قبر الرسول بالأرض لولا تدخل العالم الإسلامي.
    كانت العلاقات بين بني سعود واليهود من جهة وبين إيران الشاه من جهة ثانية على أحسن ما يُرام،فقد كان هناك تمثيل دبلماسي بين طهران وتل أبيب والرياض،وكان حكام الخليج بلا استثناء يرتمون في حضن إيران الشاه ويتمنون رضاه،ولم يكن الإعلام ساعتئذ يتحدث عن المجوس والروافض،ولم يذكر أحد الجزر الإماراتية،فواشنطن كانت راضية عن الشاه،وحتى عندما تم خلعه استقبله المغرب،ولم يجتمع الفقهاء لتكفيره كما اجتمعوا لتكفير الخميني،ربما لأن الشاه كان على الكتاب والسنة.
    ثم أشعلت السعودية الحرب بين العراق وإيران،وأججت حرب أفغانستان،وهاجم مواطنوها أمريكا،وتدخلت في الشيشان،البحرين،اليمن،لبنان،فمن الأرهابي؟؟!!

  • saccco
    الخميس 14 يناير 2016 - 14:22

    نجاح الثورة الايرانية الشيعية ومحاولة تصديرها في المنطقة رأت فيها السعودية تهديدا لأمنها الداخلي وأمن المنطقة بإثارة الشيعية كأقليات في السعودية وغيرها وكأغلبية في بلدان أخرى كالعراق وسوريا والبحرين والتي تجد نفسها تحت حكم الاقلية السنية وقد بدأ الصراع عسكريا بحرب بين نظام صدام السني ونظام طهران الشيعي والتي اُنفقت فيها ملايير دولارات السعودية وكما تنفق في الحرب السورية والحرب اليمن وهي حرب ذات بعد طائفي
    إنه صراع طائفي بين القطب السني وبين القطب الشيعي من أجل الهيمنة وإثارة النعرات بين شعوب المنطقة في غياب تأسيس الحكم على آليات ديمقراطية عادلة تسمح بمساواة للمواطنين وحرية التعبير ومشاركتهم في تسيير ومراقبة دواليب السلطة
    فالبعد المذهبي لهذا الصراع يدخل في صراع جيوسياسي جديد خلقته الظروف الدولية ولعلها حرب باردة بأشكالها الفضيعة سيعرفها العالم الاسلامي والتي ستوسع الهوة عميقا بين شعوبها

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 3

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 5

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال