مستقبل العلاقات المغربية الإسبانية

مستقبل العلاقات المغربية الإسبانية
السبت 15 ماي 2021 - 22:44

يمكن اعتبار دخول الانفصالي وقائد زمرة البوليزاريو غالي، إلى التراب الإسباني مرحلة مفصلية في تاريخ العلاقات الدبلوماسية المغربية الإسبانية، نظرا لعدة اعتبارات، سنتطرق إلى أهمها لاحقا،

بدءا، إن تكتم الحكومة الإسبانية على استقبال الانفصالي غالي على أراضيها بعد ما لفظته الحكومة الألمانية لأسباب نجهلها، وقبول الحكومة الإسبانية الصيغة التي ولج بها التراب السيادي الإسباني شيء محير.

فلقد حل إلى مطار سرقسطة يوم 18 أبريل لتقله سيارة إسعاف مرفوقا بأجهزة أمنية إلى مستشفى لوغرونيو.

دعنا نرتب المشهد حسب ما روته الصحف الإسبانية نقلا عن بعض الأوساط الدبلوماسية المقربة من الخارجية الإسبانية، وقبل ذلك، وجبت الإشارة إلى أن موقف وزير الداخلية فرناندو غراندي مارلاسكا، بحسب مصادر، كما ورد ذلك في “إلباييس” عدد 11 ماي 2021، كان جد متحفظ، إلا أنه في الأخير انصاع إلى رأي الحكومة وأعطي له الضوء الأخضر تحت ذريعة أسباب إنسانية؟ ويبدو أن تحفظ وزير الداخلية كان يراعي طبيعة العلاقة الثنائية التي تربط بلاده بالمملكة المغربية على أكثر من صعيد لعل أول ما يهمه فيها، شخصيا، العلاقة والتعاون الأمنيين بين البلدين غير أنه قبل بالأمر.

الشيء الذي يثير الحيرة أن غالي وهو في الطائرة كان له جوازه الدبلوماسي، بينما عند دخوله المستشفى صرح بوثائق مزورة لجزائري باسم مستعار محمد بن بطوش، والغريب تم تبرير ذلك تحت دواع أمنية؟

لقد حاولت الخارجية المغربية جاهدة أن تحصل على إجابة شافية ومقنعة لمثل هذا السلوك المخل بالأعراف الدبلوماسية، أي التكتم على استقبال انفصالي وخصم للوحدة الترابية لبلد جار دون إحاطة علما هذا البلد بأي تفاصيل ولا مبررات كافية.

وقد لجأت أرنشا إلى القول إن المملكة المغربية، أيضا، لم تخبر نظيرتها الإسبانية بموقف ترامب من إعلان السيادة المغربية على الصحراء (الغربية) بحيث سمعت بالأمر وهي في مهمة بإسرائيل.

لنتصور وإسبانيا في أوج أزمتها الوطنية إبان امتحان استقلال إقليم كاتالونيا عن التاج الإسباني، وقامت المملكة المغربية باستقبال أحد قياديي الإقليم على ترابها بالحليب والتمر، ماذا كان سيكون موقف الإسبان؟ أو ليست طعنة في الظهر؟ وقد حصل أن أرادت جهات من كاتالونيا زيارة المغرب في نطاق نشاط اقتصادي وكان موقف المغرب مشروطا بحضور تمثيل رسمي إن على الصعيد السفارة أو القنصلية.

الأمر الذي لم تقم به الحكومة الإسبانية للأسف، ولئن كان صاحب هذا المقال متعاطفا معها لكونها اشتراكية، غير أنها خيبت الظن وأتت المفاجأة من الحزب اليميني الشعبي الذي داخل قبة الكورتيس استهجن استقبال غالي، وأشار إلى انعكاسات كل ذلك على انتظارات العلاقات البينية بين البلدين، ومن المغرب تحرك حزب الاستقلال وبعث برسالة وقعها غلاب، الأمين العام للحزب، شديدة اللهجة والعتاب لشريكه في أممية الأحزاب اليمينية بابلو كسادو. وهي مناسبة يجب أن يهتبلها الاتحاد الاشتراكي لممارسة ضغطه على رفيقه في الأممية الاشتراكية إنقاذا للعلاقات التي باتت مهددة أكثر من أي حين.

إن استقبال غالي من طرف الحكومة الإسبانية يوضح مدى تخبط هذه الأخيرة منذ ولادتها القيصرية في تركيبة هجينة مع بوديموس، وأضحت بمثابة قطار يسير برأسين في اتجاهين معاكسين.

لقد لفت انتباه الأوساط الإسبانية جدية وحزم التحركات الدبلوماسية الخارجية المغربية، التي اعتبرت النية المبيتة قائمة في الموقف الإسباني وبالتالي على إسبانيا أن تتحمل التبعات الشيء الذي تطرقت إليه جل الصحف الإسبانية من كل الطيف السياسي، لا سيما عبارات وزير الخارجية بوريطة التي كانت واضحة ولا تحتاج إلى تأويل.

والآن وبعد اشتداد الأزمة ودخول الأحزاب الموجودة في قبة البرلمان أغلبية ومعارضة على الخط في إجماع حول استهجان الموقف الإسباني، بل واعتراض أصوات من داخل إسبانيا على هذا التوجه الحكومي الإسباني المستفز والنزق، يجب في اعتقادي أن يفسح المجال للدبلوماسية الموازية على صعيد البرلمانيين وبين الأحزاب المغربية المتقاربة إيديولوجيا خصوصا الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، من أجل تعبيد الطريق نحو انفراج الأجواء بين البلدين ورفع منسوب الاحتقان، وذلك على الأقل بالاعتذار إلى الشعب المغربي عن هذه الزلة الدبلوماسية غير المحسوبة.

إن المفارقة التي تفقأ العين كون إسبانيا بلد ديموقراطي وقضاؤه مستقل ونزيه وقد أعطى الأمثلة في أكثر من مناسبة وموقف سواء مع رموز الفساد من السياسيين أو حتى مع رمز السيادة العاهل الفخري خوان كارلوس المتنازل عن العرش، والذي استدعاه القضاء في قضايا رشاوى وغيرها من هذا القبيل.

لقد صرحت أنشا وزيرة الخارجية الإسبانية بأن ليس لها ما تضيفه في الموضوع وبقيت متمسكة بالأسباب الإنسانية، وغالي متابع بجرائم يندى لها الجبين من قتل، واختطاف، وتعذيب، واعتقال واغتصاب، وقد وجهت شكاوى في شأنه من طرف المعنيين ولعل المدعو فاضل مهدي بريكا وهو ناشط صحراوي كان قد تقدم للسلطات الإسبانية بشكاية في هذا الصدد في غشت 2020 وهو يحمل جنسية إسبانية، كان تعرض للتعذيب في تندوف، وقد رفض القاضي خوسي دي لماطا في أول الأمر دعوته بدعوى أن هذا الأخير لا يحمل الجنسية الإسبانية ولا يتوفر على الإقامة.

هل من تفسير للموقف الإسباني؟

في اعتقادي أجزم أن وراء هذا الموقف أكثر من سبب أسردها كالتالي:

– أزمة سياسية على إثر إغلاق المملكة المغربية الحدود البرية (سبتة ومليلية).

– خسارة اقتصادية باهظة تكبدها الجانب الإسباني في المنطقة بحيث أثر ذلك على السكان الإسبان للمدينتين المحتلتين تجلت في ارتفاع الأسعار وندرة المواد الغذائية أسماك خضر.. إلخ، زد على ذلك أن المدينتين لهما نظام ضريبي خاص تحفيزي كما أن رواتب الموظفين مدنيين وعسكريين ذات امتياز عن نظيراتها بإسباني وهو مكلف للخزينة العامة الإسبانية.

– تشييد المغرب لميناءين عملاقين منافسين بطنجة ميد والناضور

– إقدام المملكة المغربية على ترسيم حدودها المائية من الواجهة الأطلسية من طرف واحد

– انفتاح المبادرة المغربية على زبناء جدد، بريطانيا والصين واليابان وقبل ذلك زبناء أفارقة.

– رفع المملكة المغربية من نفقات التسلح مما يزعج الجار الإسباني

– تواجد القواعد العسكرية بالقصر الصغير.

هذه بعض أسباب التوتر التي تبدو لي دفعت بالجار الإسباني إلى التوجس، ومن ثمة أقبل على هذه المبادرة الخرقاء في استقبال زعيم الانفصاليين وخصوم الوحدة الترابية، دونما وضع في الاعتبار التداعيات الخطيرة التي قد تنعكس على البلدين سلبا.

ولئن كانت أرنشا متشبثة بذريعتها الإنسانية في استقبال غالي فهل ستترك الحكومة الإسبانية القضاء يقول كلمته عندما يمثل غالي أمام القاضي سانتياغو بيدرث الذي استدعى غالي ليمثل بين يديه في 01 من يونيو المقبل حسب “إلباييس” عدد 11ماي 2021؟

الإجابة كانت بالإيجاب، حيث أكدت وزيرة الخارجية في تصريح لها لوسائل الإعلام الإسبانية بأن حكومتها ستنصاع لما يقرره القضاء ولربما يكون هذا بمثابة إرهاص لانفراج مرتقب تفصلنا عنه نزاهة القضاء الإسباني، أم أن أفق الانتظار سيتكسر، هذه المرة، ويسمح القاضي لغالي بإخلاء سبيله دون متابعة.

‫تعليقات الزوار

2
  • Amaghrabi
    الأحد 16 ماي 2021 - 11:23

    صراحة اعتقد ان الدولة الاسبانية انتهت مصداقيتها امام المغرب ولا شرعية او مصداقية لها بعد اليوم ان تتكلم عن حقوق الانسان في الصحراء المغربية وبالتالي لا حق لها ان تنتقد الدولة المغربية في تعاملها مع انفصاليي الداخل امينة حيدر واصحابها الذين يخدمون مصالح الاعداء الجزائريين باموال كثيرة.فاليوم واضح جدا ان عصابة البلزاريو وعصابة امينة حيدر لا يخدمون الا العصابة الجزائرية ومصالح اسبانيا التي تستغل هؤلاء لتبقى الاحوال على حالها الى ما لا نهاية له.الحمد لله اليوم دولتنا وحكومتنا وشعبنا واع جدا باعداء وحدتنا واصبحت دولتنا تتخذ مواقف قوية من اعداء اقوياء مثل المانيا واسبانيا وتصاعد ضد الضعفاء مثل الجزائر ومريطانيا

  • وطني
    الإثنين 17 ماي 2021 - 12:01

    للاسف يشهد الجيوبوليتيك المعاصر عودة الاحلام و الاوهام الإمبراطورية القديمة برداء اقتصادي. البركسيت هو نقطة البداية.
    لدي حلول للبيع.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة