نص من وحي أحداث نيوزيلاندا

نص من وحي أحداث نيوزيلاندا
الإثنين 25 مارس 2019 - 20:15

1

أعترف بأنني لم أكن أتوقع كل هذا.

كنت آمل دائما – وأنا أبسط رأيي في مجتمع اليوم والغد من زاوية التعايش بين الأديان في العالم – كنت آمل أن أجد بين مسئوليه غير المسلمين من يتفاعل معهم بقلبه المتوهج قبل عقله البارد ساعة الفجيعة…

وكنت عرضة للشك بل ولفقدان الأمل، خاصة لما عدت مؤخرا إلى تاريخ الحروب الصليبية ووقفت مجددا على الكوارث والجرائم التي اقترفتها – باسم الدين – دول الغرب المسيحي، خلال قرون، ضد بلدان المسلمين تحت حكم السلاجقة أو الفاطميين أو العباسيين أو الأيوبيين، سنيين وشيعيين …

إلى أن وقعت جريمة نيوزيلاندا الإرهابية ضد مسلمين عزل ورأيت بأم عيني كيف يمكن للقلب أن يتربع على قمم الحضارة الإنسانية…

2

أعترف ثانية أن اسم نيوزيلاندا لم يكن يوما من أولوياتي. بل إن الجريمة المنكرة التي ارتكبها المجرم المقتنع بأفضلية جنسه على الآخرين، لم تتوفق في إيقاظ حب الاطلاع في نفسي… فالغرب ذو المرجعية الثقافية المسيحية لم يكن بالنسبة لي يوجد إلا شمالا على خارطة العالم…

إلى أن كان يوم الجمعة 22 مارس. ورأيت خلاله كما رأى العالم أجمع كيف تصرف غير المسلمين في تيوزيلاندا ضد الجريمة وتداعياتها…

بحثت عن معلومات حول البلد كما فعل آخرون.

وعلمتُ أنه يوجد هناك في الجنوب الغربي لأستراليا، على مرمى بضع موجات منها، ضمن البلدان التي لم تكتشف إلا متأخرة. استوطنها شعب “الماوري” بين القرن 11 و13 ووصلها المستوطنون الأوروبيون أواسط القرن 17.

ووجدت أنها أول بلد في العالم اعترف للنساء بحق التصويت وكان ذلك سنة 1893 ووجدت أنها بلد تحكمه النساء: الجليلة الرائعة جاساندا آردرن رئيسة الحكومة بعد أن عوضت السيدة باتسي ريدي. وتسردُ البطاقات المتوفرة عن البلد أسماء نساء أخريات حكمن البلد أو تقلدن فيه مسؤوليات كبرى: كاترين تيزار (1990 – 1996) وسلفيا كارترايت (2001 – 2006) وجيني شيبلاي (1997 – 1999) وهيلين كلارك (1999 – 2008) وأخريات وأخريات…

هناك “الماوري” الذين يشكلون 15 في المائة من السكان، حيث بإمكان النيوزيلانديين إعلان الانتماء داخل البلد للمجموعة التي يرتضونها داخل نفس الجنسية البنيوزيلاندية، فيما يتوزع المسيحيون إلى 7 فرق مختلفة، يتعايشون في نفس البلد مع الهندوسيين والبوذيين والمسلمين… ولا يولي النيوزيلانديون أي قيمة للانتماء الديني عند تقلد المسؤولية العمومية، حيث يعتبر الدين مسألة شخصية لا غير.

3

أعترف ثالثا أن ما شاهدته من معاني التضامن والمؤازرة مع عائلات ضحايا كريستشيرش من طرف نيوزيلاندا شعبا وحكومة فاق كل توقعاتي. يقف البلد كله ويحمي المصلين المسلمين في المساجد بعد الجمعة السوداء وتضع النساء شالات على رؤوسهن في وقفات بالآلاف ويرتفع الأذان في البرلمان وتقول الرئيسة في تأثر صادق بأن من يجب ذكر أسمائهم هم الضحايا لا القاتل، وتتوجه بصرامة إلى حاكم تركيا الذي تطاول على سيادة بلدها حين لوح ب”حقه” في القصاص من المجرم بطريقته…

4

أعترف أخيرا أنني تعلمت الكثير من شعب نيوزيلاندا ورئيستها.

تعلمت أن هناك بشراً أقرب إلى نموذج الإنسان روحا وسلوكا وعدلا وآدمية. لا يهم من أي دين أو جنسية أو لون هو. هو إنسان وكفى.

واكتشفت أن قارات العالم التي تعلمناها في دروس الجغرافيا في صبانا يجب أن يتم تعديلها: هناك اليوم إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا وأستراليا… وهناك قارة جديدة هي: نيوزيلاندا.

5

كتب محيي الدين ابن عربي منذ قرون قصيدته النورانية الشهيرة،لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي .. إذا لم يكن ديني إلى دينه داني

لقد صارَ قلـبي قابلاً كلَ صُـورةٍ ** فـمرعىً لغـــــزلانٍ ودَيرٌ لرُهبـَــــانِ

وبيتٌ لأوثــانٍ وكعـــبةُ طـائـــفٍ ** وألـواحُ تـوراةٍ ومصـحفُ قــــــرآن

أديـنُ بدينِ الحــــبِ أنّى توجّـهـتْ ** ركـائـبهُ ، فالحبُّ ديـني وإيـمَاني

ربما لم يكن يتصور أن يصل صداها إلى أبعد بلدان الدنيا.

لقد وصل، فنعم الشاعر ونعمَ المتلقي.

‫تعليقات الزوار

10
  • KITAB
    الإثنين 25 مارس 2019 - 20:58

    مفارقة كبيرة لم يكن أحد توقعها من هذا الشعب النيوزيلندي النبيل والذي أظهر معاني إنسانية كبيرة ونبلا أصبحنا نفتقده حتى بيننا وأبناء جلدتنا في الدول العربية، وأكثر من هذا إقدام رئيسة الوزراء نيوزيلندا على موقفها الجريء والشجاع حينما أعلنت الحداد وسط الشعب واحتضنت بالأعناق كم من عائلة مسلمة رزئت في فقدان ذويها في المجزرة داخل المسجدين غير عابئة بالتهديدات التي توصلت بها….. ألا تستحق نيل جائزة نوبل للسلام؟ لكن المعادون للإسلام سيعملون المستحيل حتى لا تحظى بهذا الشرف، وتحياتي

  • ع الجوهري
    الإثنين 25 مارس 2019 - 21:18

    رفع الأذان في الإذاعة النيوزلاندية ومدنها و لبس الحجاب من طرف الكثير سببه الإرهابي المجرم الذي أجهز على مجموعة من المصلين وهم في عمق الصلاة ولو أخد المسلمون حربا من أجل إرغام نسائهم للبس الحجاب ورفع دولتهم الأذان في التلفاز لما فعلوا ولما توفق المسلمين وما أقصده أن هذا الإرهابي لم ينقص من مسلمين نيوز زلاند بل فتحها كفاتح مسلم وعرف بالإسلام وسيزداد عددهم لهذا القتل والإرهاب لم يكن يوما حلا أو انتصارا بل نتائجه دائما عكسية وتقوي من ابتلي به وشكرا

  • أبو حفصة
    الإثنين 25 مارس 2019 - 21:34

    للأسف سيدي المحترم أنا أتابع تعليقاتك المختلفة على هذه الصفحة أساسا أجدك قد تأخرت كثيرا في التعبير عن موقفك مما حدث في نيوزلندا وهذا التأخر لم يكن مماثلا عندما تعرضت شارلي أبدو للهجوم الإرهابي، فهل كنت تعتقد أن الفاعل في نيو زلندا مختل عقلي أم ماذا؟وسارعت إلى نعت الفاعل في فرنسا بالإرهابي
    الإرهاب لا وطن ولا دين له
    المجد للحرية وللقيم النبيلة أينما كانت بأي لون اصطبغت

  • إلى المعلقين 3 و 4
    الإثنين 25 مارس 2019 - 22:48

    الحجاب ورفع الأذان و تلاوة القرآن… شخصيا لم تعجبني لأنه يمكن التعاطف معهم بطرق أخرى يعتادونها بإهداءهم ورودا مثلا ونحن نعرف عقلية البسطاء من المسلمين والمتدينين كيف تفهم هذه الأشياء!! أرفض أن اتضامن معهم من منطلق ديني ضيق فنحن مغاربة انتماءنا هو للوطن والارض لا للدين ثم أرفض جملة وتفصيلا فكرة الإسلاموفوبيا التي يستغلها بطريقة رديئة المسلمون في الدول الأجنبية كمبرر للعزلة و الاستمرار في خلق المشاكل للمجتمعات الأجنبية. قضية الحجاب تزعجني فأنا اميل إلى منعه نهائيا في المجال العام سواء في الداخل أو في الخارج لأنه رمز احتقار للمرأة والرجل على السواء ولا يدل على أناقة ولا على ذوق رفيع

  • المهدي
    الثلاثاء 26 مارس 2019 - 04:06

    الإرهابي الأسترالي تسكنه عقيدة تفوق الرجل الأبيض والدافع من وراء عمله الاجرامي الشنيع كما دوّن ذلك هو القضاء على الغزاة الأجانب الذين تكاثروا بعد ان انتشروا في بلاد الرجل الأبيض كما رأى ذلك في أروبا وخصوصاً فرنسا وبريطانيا أثناء زيارته لهما .. لكنه نسي انه هو بدوره ينحدر من غزاة احتلوا قارة استراليا وصنّفوا سكانها الأصليين ضمن الغطاء النباتي والحيواني la faune et la flore الى غاية نهاية الستينات حيث اعتبر الابوريجين بشراً ومواطنين أستراليين .. تعاطف النيوزيلنديون حكومة وشعباً وبرلماناً وحتى عصابات مع الضحايا لكن هناك أصوات من المسلمين لم تستوعب نبل الرسالة وتلاوة القرأن وارتداء الحجاب تضامناً مع الأقلية المسلمة فسرعان ما رأت في الإمر فتحاً مبيناً وبشائر بانتشار الاسلام في ربوع نيوزيلاندا ، هذا بالضبط هو التأويل الخاطئ والتفسير الأعوج الذي سيبرر أعمال الإرهابي الأسترالي لدى آخرين بل ان المبالغة في تأويل الاريحية النيوزيلاندية وكرمها العاطفي وسخاءها الوجداني إهانة لنيوزيلندا ورئيستها وبرلمانها الذي مكّن الإمام المسلم من منبره فلا تفسدوا العواطف النبيلة ولا تخرجوها من سياقها التضامني .

  • هيا
    الثلاثاء 26 مارس 2019 - 10:20

    شكرا على انصافك في جهة من حيث عدم اخراج التعاطف من سياقه بشكل ابتزازي رخيص لكن انبهك ان العالم كله بمنطقك غزاة اتسوطنو ارض الاخرين ففلسطين والشام كلها هجرات لم تتوقف والنييوزلنودي الاروبي هاربا مستوطنا وليس محتلا جاء الارض فعمرها ، هل نيولزلندا بدون الرجل الابيض هي ذاتها ستكون نيزولتدا اليوم؟ الاستيطان غير الاحتلال فالمستوطن ياتي للسكن والتعمير وليس لنهب الارض لصالح وطنه الاصلي، اما اعتبار السكان الاصلي اقل فهم فعلا سيدي اقل واذكرك بالعبيد في بلادنا الي كانو يباعون ويشترون

  • المهدي
    الثلاثاء 26 مارس 2019 - 11:44

    نعم هناك فرق بين الغزو والاستيطان والهجرة .. لكن اجداد سفاح نيوزيلاندا الاستراليين لم يكونوا مهاجرين أو مستوطنين طلبوا الإقامة لدى أهل الارض الأصليين بل غزاة بالنار والدم والابادة .. هناك مصطلح بالانجليزية أصبح يتداول اليوم أيضاً بالفرنسية وحتى الدارجة المغربية وهو to squat أي احتلال مكان الغير ونقول بالدارجة مسكواطي والواقع ان فعل to squat تعني بالفرنسية s'accroupir وبالعربية القرفصاء وبالدارجة نقول فلان قرّد بتشديد الراء .. وتحكي بدايات الاستعمار البريطاني لأستراليا أن الغزاة الأوائل ما إن يبلغ الواحد منهم شواطئ استراليا حتى يجلس القرفصاء ويضع يده على جبينه ليرى الأفق الشاسع قائلاً from here to the horizon is mine
    اي من مكان جلوسه الى نهاية الأفق ملك له فكان أن سمّي الغزاة الأوائل ب the squatters وخرج المصطلح عن نطاقه اللغوي ليؤدي معنى الاحتلال بالقوة .. هؤلاء هم أسلاف سفاح نيوزلاندا الذي جاء في بيانه الذي بثه على الفيسبوك انه يريد قتل الغزاة بينما هؤلاء ليسوا كذلك ولم يحتلوا نيوزيلاندا أو غيرها بالقوة وأن أغلبهم يساهم في التعمير ويؤدي الضرائب … فمن الغازي حفيد الغازي هنا ؟

  • إلى5
    الثلاثاء 26 مارس 2019 - 14:37

    الحمد لله أنك لست رئيس لنيو زيلاند لقد عشت فترة لا بأس بها بأمريكا وأوروبا وأعرف كثيرا من المنافقين من العرب يريدون تغيير جلدتهم و يخجلون من ديانتهم وأصولهم فيختبؤون وراء الورد والكلام المعسول وهم أشد كرها للإسلام والمسلمين نسأل الله عدم ملاقاتهم

  • محسن
    الأربعاء 27 مارس 2019 - 12:19

    الانسنة ترتقي دائما.والشعب يعبر باريحية وتلقائية.الرئيسة مراة حقيقية لامتها وليست مزيفة. لم تترك مساحة للكراهية.اما الدين فليس قماشا باليا نرقعه او نطيله بحسب قناعاتنا.الحق لا يبلى كما الروح والحب.

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز