تراجع التساقطات المطرية في "الحوض المائي سبو" يثير مخاوف المزارعين

تراجع التساقطات المطرية في "الحوض المائي سبو" يثير مخاوف المزارعين
صورة: أرشيف
الثلاثاء 28 مارس 2023 - 04:00

يعيش المغرب على وقع موجة جفاف قاسية منذ نهاية عقد السبعينيات وبداية عقد الثمانينيات، وإن كانت بعض السنوات الرطبة نسبيا مثل سنتي 1996 و2009 أو موسم 2020-2021 القياسي، قد ساعدت في إحياء الأمل في عودة الأمطار وتحقيق نمو اقتصادي كبير، خاصة بالقطاع الفلاحي الذي يشكل عمودا أساسيا في الناتج الداخلي الخام يتراوح بين 15 و18 بالمائة.

غير أن دراسة علمية صدرت مؤخرا في مجلة المناخ “Climate” السويسرية حول اتجاه التساقطات المطرية بالحوض المائي لسبو، أهم حوض مائي بالمملكة المغربية، أشرف عليها الطالب الباحث في سلك الدكتوراه رضوان كسابي رفقة أستاذه المشرف الدكتور محمد حنشان وبمشاركة باحثين آخرين، بينت حجم التراجع الخطير الذي تعرفه كمية التساقطات بالحوض المائي لسبو. في هذا البحث العلمي حلل الباحثون معطيات التساقطات المطرية الشهرية لـ 15 محطة قياس موزعة بشكل جيد على الحوض المائي موضوع الدراسة، خلال الفترة الممتدة من 1961 إلى 2018 بالاعتماد على اختبار مان كيندال غير المعملي وانحدار ثيل- سين مع مقاربة كارطوغرافية تبين اتجاه وحجم التراجع أو التزايد الذي تعرفه التساقطات المطرية السنوية والفصلية والشهرية.

وقد بينت النتائج المتوصل إليها وجود تراجع كبير للتساقطات المطرية السنوية على طول خط يمتد من محطة مكناس إلى تازة، وصولا إلى محطة بورد، وهو تراجع له دلالة إحصائية عند مستوى معنوية 95 بالمائة، بينما سجلت باقي المحطات بالأطلس المتوسط وتلال مقدمة الريف تراجعا مهما وإن كان غير ذي دلالة إحصائية عند مستوى معنوية 95 بالمائة. كما بينت الدراسة أن مجمل التراجع الذي سجلته التساقطات المطرية السنوية يعود بالأساس للتراجع الكبير المسجل في تساقطات فصلي الشتاء والربيع، بينما بينت الدراسة أن هناك تزايدا في التساقطات المطرية الخريفية وإن كان تزايدا طفيفا غير ذي دلالة إحصائية.

بينت الدراسة أيضا تراجعا كبيرا في التساقطات المطرية الشتوية تراوحت بين ناقص 10 ملمترات كل عقد جنوب وغرب الحوض المائي، بينما وصلت إلى قيم تتجاوز ناقص 47 ملم لكل عقد في محطة جبل ودكة في الريف الغربي. في المتوسط شهد الحوض المائي خلال فصل الشتاء تراجعا بـناقص 19 ملم كل 10 سنوات خلال الفترة المدروسة. يفسر التراجع الذي شهده فصل الشتاء بالتراجع الذي تعرفه أمطار شهري دجنبر وفبراير بالخصوص.

يُظهر هطول الأمطار في الربيع اتجاهًا هبوطيًا في جميع المحطات تقريبًا، وهو انخفاض ذو دلالة إحصائية في 9 محطات، تمثل 60 بالمائة من المحطات 15 المستخدمة في الدراسة. في تلك المحطات التسع تراوحت قيم منحدر ثيل- سين Theil Sen حول اتجاه وحجم هطول الأمطار الربيعية بين ناقص 11 وناقص 16 ملم كل 10 سنوات، وهو ما يعني تناقص ما بين 64 ملم و93 ملم في هذا الموسم المهم للزراعات الربيعية، وهي كمية مهمة جدًا في سياق المناخ المتوسطي الذي يتميز أصلا بانخفاض وتقلب هطول الأمطار.

وتجدر الإشارة إلى أن أكبر انخفاض حدث في المناطق الجبلية، التي تعتبر خزان المياه الرئيسي للبلاد. يفسر التراجع الكبير للتساقطات المطرية الربيعية التدهور الكبير الذي تشهده تساقطات شهري مارس وأبريل. التراجع في هطول الأمطار لشهر مارس جاء عاما وشاملا، وقد سُجّل بجميع المحطات تقريبًا، وهو ذو دلالة عند مستوى 95 بالمائة في محطات عزابة والمرس وفاس. هذا الانخفاض في هطول الأمطار بلغ ناقص 4 ملم لكل عقد في المتوسط، في حين تم تسجيل ناقص5.2 ملم لكل عقد في محطات عزابة، فاس، المرس وجبل ودكا، وأهم تراجع سجل في محطة مكناس بناقص 7 ملم لكل عقد. يسجل شهر أبريل أيضًا اتجاهًا سلبيًا عامًا في جميع المحطات، ذا دلالة إحصائية عند مستوى 95 بالمائة في محطتي بورد والمرس. متوسط حجم هذا الانخفاض في هطول الأمطار هو ناقص 3.5 ملم لكل عقد، بينما سجل ناقص 5ملم في محطات المرس وفاس وإفران، في حين وصل الحد الأقصى إلى ناقص 7.2 ملم لكل عقد في محطة بورد.

في فصل الصيف الجاف أصلا في المناخ المتوسطي (المغرب) سجلت الدراسة تراجعا كبيرا في تساقطات شهر يونيو/حزيران وإن كانت كميتها قليلة. في الفصل نفسه سجلت بعض المحطات الواقعة بالأطلس المتوسط اتجاها تصاعديا للتساقطات المطرية الصيفية كمحطتي المرس وآيت خباش.

يفسر كل هذا التراجع للتساقطات المطرية في الفصل الرطب بأسباب دينامية لها علاقة بالدورة الهوائية العامة حول المغرب، منها هيمنة أنماط طقسية ضد إعصارية بسبب المرتفع الجوي الأصوري، الذي يعتبر القاعدة وليس الاستثناء خلال فصل الشتاء حسب العديد من الدراسات، حيث يهمن الجزء الشرقي من هذا المرتفع الجوي على البلاد مع رياح شرقية (الشرقي) على الجزء الشمالي من المغرب، أمر يتعزز بخلايا للضغط الجوي المرتفع ذات السبب الحراري، والناتجة عن البرودة الكبيرة التي تعرفها المناطق الجبلية (سلسلة الأطلس الكبير والمتوسط)، مما يعطي جوا مشمسا وسماء صافية، مع فوارق حرارية كبيرة وغياب تام للتساقطات المطرية.

يؤثر الانخفاض الكبير في هطول الأمطار في الفصل الرطب، أي الشتاء والربيع، على المحاصيل الزراعية الرئيسية (مثل الحبوب والبقوليات)، ولكن أيضًا على الأشجار المثمرة، ويهدد توفر المياه في الأحواض النهرية بشكل يثير مخاوف عدد كبير من الجهات، بما في ذلك عامة السكان، حيث سجلت العديد من الاحتجاجات حول ضعف وانقطاع تزويد العديد من القرى والبلدات خلال الصائفة الماضية بعد سنة 2022 شديدة الجفاف، كما شهدت هذه السنة موت الأشجار المثمرة بسبب الجفاف في الكثير من المناطق، وهو أمر امتد إلى الغابات الطبيعية في الريف والأطلس المتوسط، حيث عانت الغابات من إجهاد حراري كبير وجفاف أنهكها وجعلها عرضة للأمراض والموت على مساحات شاسعة.

ساهم التناقص الكبير للتساقطات المطرية خلال العقود الأخيرة في توجيه اهتمامات القطاع الفلاحي بالمغرب للاستغلال الوحشي للموارد المائية الباطنية التي تعرف تدهورا خطيرا جدا، مع تشجيع بعض السياسات العمومية كمخطط المغرب الأخضر الذي شجع السقي حتى في المناطق الجافة جدا والقاحلة عبر زراعات مضاربة كالبطيخ الأحمر، واليوم يفكرون في زراعة الأفوكادو رغم هول الكارثة التي يخلفها الجفاف، مما يطرح أكثر من سؤال عن المنطق والعقل الذي يحكم صانع السياسات الفلاحية بالمغرب.

‫تعليقات الزوار

15
  • ALI NAIT OMAR
    الثلاثاء 28 مارس 2023 - 04:22

    «اللهم اسقنا غيثًا مُغيثًا، مريئًا مَريعًا، نافعًا غير ضار، عاجلًا غير آجل»

  • سعيد
    الثلاثاء 28 مارس 2023 - 04:32

    الاستفادة من عبر القران بحيت سنوات رخاء تتبعها سنوات عجاف….

  • مفيد ابو الغار
    الثلاثاء 28 مارس 2023 - 04:44

    هؤلاء الفلاحون و المزارعون أكثرهم مضاربون يرفعون الأسعار بدون وجه حق . فاللهم ضيق على من ضيق علينا منهم في هذا الشهر الفضيل.

  • أنقذوا الغرب
    الثلاثاء 28 مارس 2023 - 05:23

    أضف إلى ذلك تحويل نسبة مهمة من مياه نهر سبو نحو المدن الكبرى من أجل تفادي خصاص المياه التي تعرفها في الصيف. لذا فمنطقة الغرب التي يعبرها النهر ستعرف فقدان شريانها الرئيسي ومصدر حياتها كمنطقة فلاحية لصالح المدن كالدار البيضاء والتي تنال حظا آخر إضافة إلى حظها الوافر في التنمية.

  • طارق
    الثلاثاء 28 مارس 2023 - 05:24

    حيت حنا مكن حمدوشي الله فسراء وضراء واخا كيكون العام مزيان كتسمع غير الجفاف والقحط والله سبحانه وتعالى كيعطنا علقد نيا ديالنا

  • عباس
    الثلاثاء 28 مارس 2023 - 05:36

    الكل يتخوف من قلة التساقطات المطرية ولا احد يقتصد في الاستهلاك الماء الشرب او لسقي ، وكان التخوف موجه إلى سكان الأرض الأخرى

  • مغربي بالمهجر
    الثلاثاء 28 مارس 2023 - 06:51

    واليوم يفكرون في زراعة الأفوكادو رغم هول الكارثة التي يخلفها الجفاف، مما يطرح أكثر من سؤال عن المنطق والعقل الذي يحكم صانع السياسات الفلاحية بالمغرب.
    اذا وجب عرض الحكومة الحالية على اطباء للتأكد من صحتهم العقلية
    لكنه حب الدنيا و نسيان الخالق يقود للعمى و قسوة القلوب

  • الطيبي حسن
    الثلاثاء 28 مارس 2023 - 07:06

    هل بداتم بتشييد مراكز لتحلية مياه البحر ام تكررون نفس الاسئلة طوال عقود حين حدرتكم “الفاو” منذ الثمانينات انكم مقبلون على ندرة الامطار والجفاف والتصحر وانه يجب البحث عن بديل للسدود لسد الذي سيحصل للمغرب . كانت صرخة من “الفاو” لمسؤولينا ولكن اتجهنا في كل فثرة جفاف الى “صلاة الاستسقاء ” التي لا تفتح لنا ممرات للغيوم من جزر الاصور لكي تسقط ببلادنا امطار . والبديل اليوم هو الاسراع وبشكل يومي بالليل والنهار من اجل ان تكون المحطات المائية بسواحل المدن الكبرى جاهزة قبل ان تقع الكارثة

  • Layla
    الثلاثاء 28 مارس 2023 - 07:19

    الفلاحة والفلاحين يقسون على المواكن بالغلاء الفاحش والذي قهرنا .نسأل الله العظيم ان يرحمنا برحمته الواسعة.
    الغلاء الجفاف الأمراض التضخم. نسأل الله اللطف.

  • Said
    الثلاثاء 28 مارس 2023 - 08:28

    يا مسؤولين الا توعضون كم من ملايين الاطنان من الماء تدهب هباء الى البحر في موسم المطر ؟ لمادا لا تبنى المدرجات على شكل حواجز ..وجعل المياه تدهب من شمال المملكة لوفرة الامطار بانابيب كبيرة ويصبح التوازن ويذهب الجفاف …؟؟؟؟ جميع الاودية نهبتها الشركات المسمى بمافيات المقالع …والجفاف وجب نصب الحواجز لوقف اي نقطت ماء لكي لا تدهب الى البحر وكثرة السدود …

  • البرنوصي
    الثلاثاء 28 مارس 2023 - 08:55

    صانع المخطط الاخضر هو وزيرنا الاول المخضرم وصانع المغرب الاخضر هو نفس العبقري في السياسة والتخطيط من سوء حظ هدا البلد لا حول ولا قوة إلا بالله.
    الكل يتعلم من اخطاءه الا سياسيونا. وما يزيد الطين بلة هو انهم يتصرفون بعجرفة واحتقار كأنهم لايصغون لآلام هذا الشعب. ما يهم هو الدولار والاورو وهذه هي قبلتهم الاولى.
    لا يشعرون أو لايهتمون بالاحتقان اللذي يسببون فيه لدى الطبقات المتضررة وإن كانت هناك تحركات شعبية لاستنكار ما يحدث فيتوكل عليهم الاتهامات الزائفة بمحاولة خلق الفتنة وزعزعة الامن في البلاد
    اللهم كن وليا ونصيرا لهذا البلد وللحق حتى يعلو

  • abdou
    الثلاثاء 28 مارس 2023 - 08:59

    التغيير المناخي أصبح واقعا معاشا ويجبعلى الدولة طرح خطط وبرامج للانتقال بالانشطة الفلاحية إلى أنماط جديدة ترتكز على الاستعمال الجيد للمياه .

    هناك من لا يؤمن بأن المناخ تغير وأن فترات عشناها من وفرة المياه لن تعود ربما على الأقل في عصرنا هذا . وإلا لماذا لا تعود المياه إلى الصحاري التي تشهد بقايا هناك أن الصحراء كانت غابات خضراء وبحيرات تنضح بالحياة,

  • Skafandri
    الثلاثاء 28 مارس 2023 - 09:12

    دراسة جيدة و في وقتها المناسب…مجهود مشكور للدكتور الشاب…
    الحل هو انشاء محطات تحلية مياه البحر و توجيهها للسقي في المجال الفلاحي و حتى للمصانع…فلا يعقل ان تتمتع بلادنا ب 3500 كم من السواحل و نعاني من الجفاف…
    الازمات تفتح الابواب للحلول اذا ما تم استغلالها جيدا…

    ديروا النية و ما يكون غير الخير بفضل الله تعالى

  • قنيطري
    الثلاثاء 28 مارس 2023 - 11:52

    بوادر الجوع والندرة..
    الاستجواب الأخير الذي خص به المندوب السامي للتخطيط، أحمد الحليمي، صحيفة “ميديا24″، يدق أكثر من ناقوس خطر، ويكشف بالملموس والمعطيات الدقيقة، أننا بصدد الانتقال من مرحلة الخصاص التنموي والتفاوت الطبقي، إلى مرحلة جديدة عنوانها الاندحار الجماعي لجميع الفئات الاجتماعية (باستثناء الفئة الناجية العليا).
    الازمة التي نعيشها حاليا ليست عابرة ولا ظرفية، وما نسميه اليوم تضخما سوف يصبح أمرا واقعا دائما، أي أن مستوى الاسعار الحالية مستمر وليس عابرا، والسبب ليس الأزمات الدولية ولا الجائحة، بل سوء التدبير والتخطيط الذي قادنا إلى تجفيف مواردنا المائية وتحويل نموذجنا الإنتاجي في الفلاحة إلى مجرد حديقة خلفية للأجانب، مقابل تراجع الإنتاج الوطني الموجه لتلبية الحاجيات الداخلية.
    إننا أمام إعلانات صريحة، قام بها مجلس المنافسة قبل الانتخابات الأخيرة، ويقوم بها بكثير من الصعوبة بنك المغرب، ويعلنها اليوم صريحة المندوب السامي للتخطيط، مفادها أننا أمام تدبير مناقض للمصالح الوطنية العليا، بل تدبير مخرّب ومدمّر للقدرات الوطنية، ومهدد للاستقرار والسلم الاجتماعيين، خاصة أن هذه الخرجات تؤكد أننا

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش