تَعْلِيمُ الْعَرَبِيّةِ لِلصّينِيّينَ فِي الْمَغْرِبِ

تَعْلِيمُ الْعَرَبِيّةِ لِلصّينِيّينَ فِي الْمَغْرِبِ
السبت 28 ماي 2016 - 08:00

الآفَاقُ الوَاعِدَةُ مَعَ أَصْدِقَاءِ ابْنِ بَطّوطَة

“وأهل الصين أعظم الأمم إحكاما للصناعات، وأشدهم إتقانا فيها، وذلك مشهور من حالهم، قد وصفه الناس في تصانيفهم وأطنبوا فيه” ابن بطوطة

رغم ما تواجهه اللغة العربية اليوم من صعوبات في أوطانها، فإننا نراقب اليوم إقبالا كبيرا على تعلمها واكتشافها من جنسيات مختلفة من أوروبا وأمريكا وآسيا. ونلحظ في السنوات الأخيرة إقبالا كبيرا على تعلم اللغة العربية من طرف أبناء دول شرق آسيا، وخصوصا من قبل الصينيين؛ أبناء هذا الشعب، الذي له قدرة عجيبة على التنبؤ بالفرص المتاحة، يرومون اليوم وبجدية كبيرة مد الجسور وإحياء “طريق الحرير” مع أحفاد ابن بطوطة. بعد أن ضلوا الطريق وهم يبحثون عن اللغة العربية والثقافة الإسلامية المتسامحة في مناطق أخرى، لم تشبع فضولهم ولم تجب عن أسئلتهم ولم تحقق طموحاتهم في “الارتقاء” بمستواهم اللغوي والثقافي، دون أن يفقدوا شيئا من خصوصيتهم وثقافتهم التي لا يتزحزحون عنها.

فقد وجدوا في المغرب تراثا حضاريا غنيا، وتنوعا لغويا ثريا، و”معبرا دائم الحركة والنشاط فكريا واقتصاديا”، جعله جسرا سالكا بين الشمال والجنوب وبين الشرق والغرب. فضلا عن تمتع البلاد باستقرار روحي نادر في المنطقة؛ يستمسك بالماضي وينفتح على الحاضر والمستقبل. مع احترام، وهذا مهم جدا عندهم، للأديان والثقافات والشعوب، مما يجعل البلاد في نظر الكثير من المراقبين الأجانب منطقة “آمنة روحيا” “مأمونة عقائديا.

وهو “أمن روحي” و”استقرار ديني” أدى بطريقة أو بأخرى إلى “استقرار أمني وسياسي”، يؤهله ليصبح بديلا عن بعض مناطق الشرق الأوسط (العراق، سوريا، اليمن) التي كانت تقصدها أفواج كبيرة من الصينيين، هم اليوم يحزمون حقائبهم نحو المغرب، ويغيرون اتجاههم نحو “بلاد جديرة بالاكتشاف”، وفرصة مهمة حرية بالمعايشة حسب تصريحات العديد منهم.

“جديرة بالاكتشاف” لأن تعليم اللغة العربية في المغرب غير مرتبط بالدين الإسلامي بالضرورة، وجل هؤلاء القادمين من ولايات صينية بعيدة يتعلمون اللغة العربية ويدرسون الثقافة الإسلامية للاستفادة من الآفاق الاقتصادية الواعدة في العالم العربي، ودراسة السياسة العربية التي تخلق الحدث السياسي والاقتصادي في العالم اليوم. كما أن تعليم اللغة العربية في المغرب يتم بطرق احترافية ووسائل منهجية حديثة مستفادة من الإرث الفرانكفوني والأنكلوساكسوني في تعليم اللغات للناطقين بغيرها.

وقد تعزز كل ذلك مؤخرا بانفتاح السياسة الرسمية المغربية على الصين من أعلى سلطة في البلاد، والقيام بإجراءات عملية في هذا المجال من قبيل إعفاء المواطنين الصينيين من تأشيرة الدخول إلى المغرب، وتوقيع العديد من الاتفاقيات المهمة مما يقوي جاذبية المملكة لدى الصينيين سياحيا وثقافيا وعلميا، واقتصاديا طبعا.

لقد اكتشف الصينيون أن المغرب “أمة عريقة” مثل الصين، وأن أهل المغرب أناس طيبون وكرماء. تقول ليلى “KONG DEYUN”، وهي طالبة صينية من جامعة نيغشيا تتم دراستها في اللغة العربية في جامعة الحسن الأول (وقد جرت عادة الصينيين المقبلين على تعلم اللغة العربية على وضع اسم عربي بالإضافة إلى اسمهم الصيني لتسهيل التواصل مع العرب):”قضيت عشرة أشهر في المغرب لتعلم اللغة العربية، استفدت كثيرا ورغم الصعوبات فقد تحسن مستواي كثيرا. المغرب بلد جميل والناس طيبون، ساعدوني في الدراسة والحياة… سافرت إلى مدن أخرى، المناظر جميلة ومختلفة من مدينة إلى أخرى…”. ويقول أحمد “LI” طالب في إطار البرنامج نفسه: “وجدت المغرب بلدا كبيرا، المغرب حديقة شمال إفريقيا…. سافرت إلى مدن كثيرة وجدت المدن المغربية رائعة جدا”.

واليوم تنفتح الجامعات المغربية في سطات والدار البيضاء على جامعات صينية وتستقبل الطلبة الصينيين لدراسة اللغة العربية، وفي المقابل منها من يعلم اللغة الصينية للمغاربة، وهو عمل سيثمر في السنوات القليلة المقبلة نتائج مهمة للطرفين معا.

فإذا كان الصينيون سيحققون أهدافهم الاقتصادية والسياسية والثقافية، وهي أهداف مشروعة دون شك في إطار التنافس الدولي اليوم، فإن المغرب سيستفيد اقتصاديا وسياحيا من شعب يضم أعلى الثروات المادية والبشرية في العالم. كما سيستفيد سياسيا في مختلف القضايا الاستراتيجية التي يدافع عنها، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية. مما يدخل في إطار التنويع المشروع لعلاقاته بين الغرب والشرق في إطار دبلوماسية حكيمة تراعي المصالح العليا للبلاد.

وتبقى للمغاربة فرصة مفتوحة لاكتشاف أسرار النبوغ الصيني اقتصاديا وصناعيا، لبناء آفاق أوسع والتطلع نحو مستقبل أفضل للبلاد عند أصدقاء ابن بطوطة، الذي قال عن بلادهم قبل قرون طويلة: “وإقليم الصين متسع كثير الخيرات والفواكه والزرع والذهب والفضة، لا يضاهيه في ذلك إقليم من أقاليم الأرض”…

[email protected]

‫تعليقات الزوار

21
  • عثمان برادة
    السبت 28 ماي 2016 - 08:26

    تعتبر اللغة العربية ام اللغات.. فاقرأ وارتق.. موضوع مهم يستحق القراءة..

  • khadija
    السبت 28 ماي 2016 - 08:33

    أهل الصين يتعلمون أي لغة تمكنهم التواصل مع زبنائهم ، لا يحتقرون أي لغة من لغات العالم. في كل لغة يتعلمونها يرون فيها أرباحا لعملياتهم التجارية فقط.

  • الدكتور عبد الغاني بوشوار
    السبت 28 ماي 2016 - 09:58

    عجيب أمر المتباكين عن وضع اللغة العربية في أوطانها. إن هذه اللغة الجميلة حية تروق في أوطانها وفي عدد من المجتمعات الأخروى وبها مصنفات وكتب وأشعار وأفلام ويتقنها أهلها ومن درسها ويعتز بها أهلها وهي آية من آيات الله كبقية الألسنة التي اهتدى إليها بنو البشر. وتخذير العقول بوهم هجرتها وعدم الاهتمام بها في أوطانها كذب وبهتان لا يقبله العقل.الصعوبة القصوى تكمن في عدم الاهتمام باللغات الأخرى التي يتواصل بها ملايين البشر في البلدان التي يطلق عليها 'الوطن العربي' هذه اللغات هي التي تجد الصعوبة في أوطانها، أما اللغة العربية فهي مزدهرة وحية وطوبى لمن له نصيب منها.

  • عادل طالب لغة عربية
    السبت 28 ماي 2016 - 10:00

    مقال يشفي الغليل.فالصينيون علموا أن هذه اللغة كنز والمستقبل لها لذلك عضوا عليها بالنواجد. وقد رأيناهم عن كتب في الكلية المتعددة التخصصات خريبكة كيف يوظفون الهواتف الذكية في التعلم.بوركت يا صاحب القلم اللبيب والفكر السديد

  • الرياحي
    السبت 28 ماي 2016 - 11:42

    ——————————————
    لا يعجبك نوار الدفلة فى الواد عامل الظلايل
    و لا يعجبك زين الطفلة حتى تشوف الفعايل
    ——————————————

    "إعفاء إعفاء المواطنين الصينيين من تأشيرة الدخول إلى المغرب" تفتح الباب على مصارعه للنهب والتضييق والدعارة والقمارة والقمل وتجعل من بلادنا قاعة إنتظار للمرور إلى أروبا.طلب بن كيران من المغاربة التناسل لكي يصل عددنا 120 مليون وأستجاب القدر لدعوته فالصين بإمكانيتها تصدير 300 مليون صيني مسلم أو مسيحي أو يهودي أو …أو مغربي يغني العيطة ، كل ما طلبت حسب دفتر التحملات .
    أما قولك "كما أن تعليم اللغة العربية في المغرب يتم بطرق احترافية ووسائل منهجية حديثة مستفادة من الإرث الفرانكفوني والأنكلوساكسوني في تعليم اللغات للناطقين بغيرها" فهلا أن تُطبق على أبناء المغاربة.
    باز

  • حسن أيت الحاج
    السبت 28 ماي 2016 - 11:59

    تحية طيبة لصاحب هذا المقال الذي يلامس بعدا مهما من هويتنا، بوصفنا مغاربة نغار على ثوابتنا من دون تعصب أو إقصاء للآخر. وقد كتب في أوانه نظرا لما نعيشه هذه الأيام من أصداء للزيارة الملكية للصين، والتي كان لها وقع إيجابي على العلاقات بين البلدين على مستويات عدة، وهذا طبعا إن دل على شيء فإنما يدل على تشبع المغاربة بثقافة الانفتاح والغيرية البناءة. كما أنه سير على درب رسمه ابن بطوطة منذ قرون…………….

  • Zahra
    السبت 28 ماي 2016 - 12:15

    Moroccan should learn how to write and speak Mandarin as well, so they could communicate with Chinese

  • فريد
    السبت 28 ماي 2016 - 12:22

    "اللغة العربية منتشرة في أوطانها" مقولة تحتاج إلى أدلة.. المنتشر في أوطاننا هي الدارجة… نعم في حاجة إلى جميع اللغات العالمية.. وفي حاجة أكبر إلى اللغتين الوطنيتين: العربية والأمازيغية. لا يمكن أن تحقق أمة تطورها بالاعتماد على اللغات الأجنبية فقط. وكل مواثيق البلاد تؤكد هذا….

  • متتبع
    السبت 28 ماي 2016 - 13:24

    شكرا للأستاذ شهيد، هذه إرهاصاصات تمهد لسياسة لغوية ناجعة بالمغرب.

  • simo
    السبت 28 ماي 2016 - 13:32

    نسيت ايه الكاتب ان المغاربة هم من يقبلون وبكثافة على تعلم اللغة الصينية وليس العكس . وهل العربية يستعملها المغاربة في التواصل فيما بينهم حتى يتعلمها الصينيون ؟
    الصينيون يريدون لغة للتواصل وتسويق منتوجاتهم وليس لغة يكتبون بها قصائد شعرية .

  • عبد الفتاح
    السبت 28 ماي 2016 - 14:00

    الصينيون يتعلمون اللغة العربية للعمل والتجارة والدبلوماسية فب جميع الدول العربية وليس في المغرب فقط.. فبماذا تنفعهم الداىجة المغربية؟؟؟ ثم ظروف تعليم اللغة العربية للأجانب في المغرب، يقوم بها محترفون ولا يتجاوز عدد الطلبة في القسم 20. وهي ظروف لا تتوفر في المدرسة المغربية…

  • OMAR
    السبت 28 ماي 2016 - 16:20

    مقال رائع. ان تعلم اللغة ينطلق من الهدف المتوخى مثلا: التجارة ،السياحة، قراءة الجرائد… من هنا ننطلق لوضع المناهج وطرق التدريس. لي سؤال هل الاجنبي الدي ياتي الى المغرب في حاجة الى تعلم اللغة العربية؟ في ضل وجود الفرنسية؟ و غياب لغة موحدة لدا ابنا البلد؟

  • amhdar
    السبت 28 ماي 2016 - 18:05

    voulez ou voulez pas le probleme de l'arabe est que on ne peut pas parler lucidement en arabe comme s est ecrite dan un journal ou un article c a dire on parle pas entre nous en Fosha car c est pas supportable car c est lent et pas pratique par contre tamazighte OUI on parle comme on ecrit et n importe ou et avec n importe qui

    Tanmirth

  • حميد
    السبت 28 ماي 2016 - 21:31

    شكراً للكاتب!سبحان الله. الأجانب يقبلون على تعلم اللغة العربية و أبناء ماما فرنسا أبناء جلدتنا يعبثون بلسان رسمي لشعب بأكمله بفرضهم للغة المستعمر..و جعل فئات داخل المجتمع تحمل أعلام الفرانكوفونية و تنشد ليلا و نهارا بلسان المستعمِر و تدّعي المواطنة و خير دليلا على هذا هو الشارع المغربي: محمد و عائشة يقلدون جاك و جاكلين في تلوييك لسان موليير ليلا و نهارا. في ظل الإستعمار اللغوي/الثقافي و النفسي ظهرت عاهات و أمراض عند فئات جد مهمة من المجتمع تخجل على التكلم بلغاتها الأم، بل ربما تستنكف عن لغة أجدادها بإعتقادها أن لغة الفرنسيين رمز للرقي و الإنفتاح على حضارة ماما فرنسا. اللغة الفرنسية في الإعلام، المدرسة،الإشهار، الشارع، البيت الوثائق..الخ. يتبين جليا أن اللسان المغربي طرأت عليه عمليات جراحية أدت بثقافة كاملة إلى هاوية المسخ. في نظري، العربية و الأمازيغية و الدارجة..أصبحت ضحايا الفرانكوفونية التي تزداد شراسة و توغلاً في أذهان الأجيال الصاعدة..مغاربة بمنطق فرنسي أي منطق رجال الغد؟
    "رحم" من قال: "لا حياة لأمة بدون لغة"

  • فريد
    السبت 28 ماي 2016 - 21:55

    ما اروع هده اللغة العربية.. ولكن نحتاج إلى عمل كثير بوركتم
    يا علماء اللغة استيقظوأ

  • حسناء العماري
    السبت 28 ماي 2016 - 23:13

    شكرا على هذا المقال الرائع الذي يشفي الغليل واعطى للغة العربية حقها حيث صارت متشردة في موطنها شكرا لك استاذ واتمنى لك توفيق في مسيرتك

  • Anglais Francais
    السبت 28 ماي 2016 - 23:58

    Je connais beacoup de Chinois. Ils patient Anglais et Francais seulement. Ces deux langues leurs permettre de communiquer avec tous Les pays d'Afrique

  • صالح
    الأحد 29 ماي 2016 - 16:42

    هل الصين فعلا يحبون اللغة العربية شيئ مستبعد جدا
    لماذا لا يتعلمونها في بلدهم الصين ويجلبون اساتذة من الوطن العربي ……..

  • عبد الله
    الأربعاء 1 يونيو 2016 - 09:54

    المغرب متعدد الثقافات بقربه من أوربا وبتموقعه بإفريقيا، قوتنا في انفتاحنا على الصين، سنكسب كثيرا من هذه الثقافة الوافدة والعريقة التي لا نكاد نعرف عنها شيئا. باحتكاكنا بهذا البلد الأصيل سنتعاون مع بعضنا أكثر لنصد مطامع بعض الطامعين في بلدنا الحبيب. الصين قوة واعدة برغماتية ما أحوجنا إلى المشرق الأقصى لأن الغرب فقد بوصلته… فالتواصل مع الصين خطوة استارتيجية مهمة.

  • يوسف سكاتير
    الأربعاء 1 يونيو 2016 - 21:22

    تتعدد الاستفهامات حول امر تعليم اللغة العربية للصينيين لذالك ساتحفظ واقول للذكتور عبد الفتاح شهيد اعانك الله على هذه المهمة

  • عبدالهادي لبيتي
    الخميس 2 يونيو 2016 - 15:26

    أظن أن النهوض باللغة العربية سيكون من غير الناطقين بها، لأن أهلها أكثر من صار يحاربها لقد نصب هؤلاء أنفسهم كمسؤولين عن العربية ومدافعين عنها، في حين أنهم هم الذين يحابونها و يدمروها تدميرا ويسعون بكل جهودهم إلى الحط من قدرها و قدر دارسيها، و خصوصا و أن بعض المسؤولين المغاربة يدعون أن الأدب و الأدبيين لا يجلبون لهذا الوطن غير البطالة، و في النهاية أستاذي العزيز لا يسعنا إلا نقول أن اللغة العربية قادرى بنا أو بدوننا أن تستمر في الحياة.

صوت وصورة
الحكومة واستيراد أضاحي العيد
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:49 20

الحكومة واستيراد أضاحي العيد

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36 27

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45 3

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
"ليديك" تثير غضب العمال
الخميس 18 أبريل 2024 - 11:55 1

"ليديك" تثير غضب العمال

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة